البلدين معا، فأمر الناس بإخلاء مدينة الفسطاط، واللحاق بالقاهرة للامتناع من الفرنج، وكانت القاهرة إذ ذاك من الحصانة، والامتناع بحيث لا ترام، فارتحل الناس من الفسطاط، وساروا بأسرهم إلى القاهرة، وأمر شاور، فألقى العبيد النار في الفسطاط، فلم تزل به بضعا وخمسين يوما حتى احترقت أكثر مساكنه، فلما رحل مري عن القاهرة، واستولى شيركوه»
على الوزارة تراجع الناس إلى الفسطاط، ورموا بعض شعثه، ولم يزل في نقص وخراب إلى يومنا هذا، وقد صار الفسطاط يعرف في زمننا بمدينة مصر، والله أعلم.
[ذكر ما كان عليه موضع الفسطاط قبل الإسلام إلى أن اختطه المسلمون مدينة]
اعلم: أنّ موضع الفسطاط الذي يقال له اليوم: مدينة مصر كان فضاء ومزارع فيما بين النيل، والجبل الشرقيّ الذي يعرف بالجبل المقطم، ليس فيه من البناء، والعمارة سوى حصن يعرف اليوم بعضه: بقصر الشمع، وبالمعلقة ينزل به شحنة الروم المتولي على مصر من قبل القياصر ملوك الروم عند مسيره من مدينة الإسكندرية، ويقيم فيه ما شاء، ثم يعود إلى دار الإمارة، ومنزل الملك من الإسكندرية، وكان هذا الحصن مطلا على النيل، وتصل السفن في النيل إلى بابه الغربيّ الذي كان يعرف بباب الحديد، ومنه ركب المقوقس في السفن في النيل من بابه الغربيّ حين غلبه المسلمون على الحصن المذكور، وصار فيه إلى الجزيرة التي تجاه الحصن، وهي التي تعرف اليوم: بالروضة قبالة مصر، وكان مقياس النيل بجانب الحصن.
وقال ابن المتوّج: وعمود المقياس موجود في زقاق مسجد ابن النعمان قلت: وهو باق إلى يومنا هذا، أعني سنة عشرين وثمانمائة، وكان هذا الحصن لا يزال مشحونا بالمقاتلة، وسيرد في هذا الكتاب خبره إن شاء الله تعالى، وكان بجوار هذا الحصن من بحريه، وهي الجهة الشمالية أشجار وكروم صار موضعها الجامع العتيق، وفيما بين الحصن والجبل عدّة كنائس، وديارات للنصارى في الموضع الذي يعرف اليوم براشدة، وبجانب الحصن فيما بين الكروم التي كانت بجانبه، وبين الجرف الذي يعرف اليوم: بجبل يشكر، حيث جامع ابن طولون، والكبش عدّة كنائس، وديارات للنصارى في الموضع الذي كان يعرف في أوائل الإسلام بالحمراء، وعرف الآن بخط قناطر السباع والسبع سقايات، وبقي بالحمراء عدّة من الديارات إلى أن هدمت في سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاون على ما ذكر في هذا الكتاب عند ذكر كنائس النصارى، فلما افتتح عمرو بن العاص مدينة