وسببها أنّ مؤتمن الخلافة جوهرا أحد الأستاذين المحنّكين بالقصر تحدّث في إزالة صلاح الدين يوسف بن أيوب من وزارة الخليفة العاضد لدين الله عندما ضايق أهل القصر وشدّد عليهم واستبدّ بأمور الدولة وأضعف جانب الخلافة وقبض على أكابر أهل الدولة، فصار مع جوهر عدّة من الأمراء المصريين والجند. واتفق رأيهم أن يبعثوا إلى الفرنج ببلاد الساحل يستدعونهم إلى القاهرة، حتّى إذا خرج صلاح الدين لقتالهم بعسكر ثاروا وهم بالقاهرة، واجتمعوا مع الفرنج على إخراجه من مصر.
فسيروا رجلا إلى الفرنج وجعلوا كتبهم التي معه في نعل، وحفظت بالجلد مخافة أن يفطن بها، فسار الرجل إلى البئر البيضاء قريبا من بلبيس «٢» ، فإذا بعض أصحاب «٣» صلاح الدين هناك، فأنكر أمر الرجل من أجل أنّه جعل النعلين في يده، ورآهما وليس فيهما أثر المشي، والرجل رثّ الهيئة؛ فارتاب وأخذ النعلين وشقّهما، فوجد الكتب ببطنهما، فحمل الرجل والكتب إلى صلاح الدين، فتتبّع خطوط الكتب حتّى عرفت، فإذا الذي كتبها من اليهود الكتّاب، فأمر بقتله، فاعتصم بالإسلام وأسلم، وحدّثه الخبر. فبلغ ذلك مؤتمن الخلافة، فاستشعر الشرّ وخاف على نفسه، ولزم القصر وامتنع من الخروج منه، فأعرض صلاح الدين عن ذلك جملة، وطال الأمد؛ فظنّ الخصيّ أنه قد أهمل أمره، وشرع يخرج من القصر. وكانت له منظرة بناها بناحية الخرقانية في بستان، فخرج إليها في جماعة. وبلغ ذلك صلاح الدين، فأنهض إليه عدّة هجموا عليه وقتلوه في يوم الأربعاء لخمس بقين من ذي القعدة سنة أربع وستّين وخمسمائة، واحتزوا رأسه وأتوا بها إلى صلاح الدين، فاشتهر ذلك بالقاهرة وأشيع، فغضب العسكر «٤» المصريّ، وثاروا بأجمعهم في سادس عشريّة، وقد انضمّ إليهم عالم عظيم من الأمراء والعامّة حتّى صاروا ما ينيف على خمسين ألفا، وساروا إلى دار الوزارة- وفيها يومئذ ساكنا بها صلاح الدين- وقد استعدّوا بالأسلحة، فبادر شمس الدولة فخر الدين توران شاه أخو صلاح الدين، وصرخ في عساكر الغزّ، وركب صلاح الدين وقد اجتمع إليه طوائف من أهله وأقاربه وجميع الغزّ ورتبهم، ووقفت الطائفة الريحانية والطائفة الجيوشية والطائفة الفرحية وغيرهم من الطوائف السودانية ومن انضمّ إليهم بين القصرين، فثارت الحروب بينهم وبين صلاح الدين، واشتدّ الأمر وعظم الخطب حتّى لم يبق إلا هزيمة صلاح الدين وأصحابه. فعند ذلك أمر توران شاه بالحملة على