القصرين ونظر إلى تربة الملك الصالح هذه، وقد دفن بقاعة شيخ المالكية فأنشد:
بنيت لأرباب العلوم مدارسا ... لتنجو بها من هول يوم المهالك
وضاقت عليك الأرض لم تلق منزلا ... تحلّ به إلّا إلى جنب مالك
وذلك أن هذه القبة التي فيها قبر الملك الصالح، مجاورة لإيوان الفقهاء المالكية المنتمين إلى الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه، فقصد التورية بمالك الإمام المشهور، ومالك خازن النار، أعاذنا الله منها.
[المدرسة الكاملية]
هذه المدرسة بخط بين القصرين من القاهرة، وتعرف بدار الحديث الكاملية، أنشأها السلطان الملك الكامل ناصر الدين محمد ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب بن شادي بن مروان في سنة اثنتين وعشرين وستمائة، وهي ثاني دار عملت للحديث. فإن أوّل من بنى دارا على وجه الأرض، الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بدمشق، ثم بنى الكامل هذه الدار ووقفها على المشتغلين بالحديث النبويّ، ثم من بعدهم على الفقهاء الشافعية، ووقف عليها الربع الذي بجوارها على باب الخرنشف، ويمتدّ إلى الدرب المقابل للجامع الأقمر، وهذا الربع من إنشاء الملك الكامل، وكان موضع من جملة القصر الغربيّ، ثم صار موضعا يسكنه القماحون. وكان موضع المدرسة سوقا للرقيق ودارا تعرف بابن كستول.
وأوّل من ولي تدريس الكاملية الحافظ أبو الخطاب عمر بن الحسن بن عليّ بن دحية، ثم أخوه أبو عمرو عثمان بن الحسن بن عليّ بن دحية، ثم الحافظ عبد العظيم المندريّ، ثم الرشيد العطار. وما برحت بيد أعيان الفقهاء إلى أن كانت الحوادث والمحن منذ سنة ست وثمانمائة، فتلاشت كما تلاشى غيرها، وولى تدريسها صبيّ لا يشارك الأناسيّ إلّا بالصورة، ولا يمتاز عن البهيمة إلّا بالنطق، واستمرّ فيها دهرا لا يدرّس بها حتى نسيت أو كادت تنسى دروسها، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله.
الملك الكامل: ناصر الدين أبو المعالي محمد بن الملك العادل سيف الدين أبي بكر محمد بن نجم الدين أيوب بن شادي بن مروان الكرديّ الأيوبيّ، خامس ملوك بني أيوب الأكراد بديار مصر، ولد في خامس عشري ربيع الأوّل سنة ست وسبعين وخمسمائة، وخلف أباه الملك العادل على بلاد الشرق، فلما استولى على مملكة مصر، قدم الملك الكامل إلى القاهرة في سنة ست وتسعين وخمسمائة، ونصبه أبوه نائبا عنه بديار مصر، وأقطعه الشرقية وجعله وليّ عهده، وحلف له الأمراء، وأسكنه قلعة الجبل، وسكن العادل في دار الوزارة بالقاهرة وصار يحكم بديار مصر مدّة غيبة الملك العادل ببلاد الشام وغيرها بمفرده. فلما مات الملك العادل ببلاد الشام، استقل الملك الكامل بمملكة مصر في جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وستمائة وهو على محاربة الفرنج بالمنزلة العادلية قريبا من دمياط،