وضلّ آخرون عن الطريق في الغرب فوقعوا على مدينة عامرة كثيرة الناس، والمواشي والنخل والشجر، فأضافوهم وأطعموهم وسقوهم وباتوا في طاحونة، فسكروا من الشراب، وناموا فلم ينتبهوا إلا من حرّ الشمس، فإذا هم في مدينة خراب ليس فيها أحد، فخافوا، وخرجوا، وظلوا يومهم سائرين إلى المساء، فظهرت لهم مدينة أكبر من الأولى، وأعمر وأكثر أهلا، وشجرا ومواشي، فأنسوا بهم، وأخبروهم بخبر المدينة الأولى، فجعلوا يعجبون منهم، ويضحكون وانطلقوا بهم إلى وليمة لبعض أهل المدينة، فأكلوا وشربوا وعنوا بهم، حتى سكروا، فلما كان من الغد انتبهوا فإذا هم في مدينة عظيمة ليس فيها أحد وحولها نخل قد تساقط ثمره، وتكدّس، فخرجوا وهم يجدون ريح الشراب، ومبادي الخمار، فساروا يوما إلى المساء وإذا راع يرعى غنما، فسألوه عن الطريق؟ فدلهم، فساروا بعض يوم من الغد، فوصلوا مدينة الأشمونين بالصعيد.
قال: وهذه مدائن القوم الداخلة القديمة قد غلب عليها الجانّ، ومنها ما سترته عن العيون، فلا ينظر إليها أحد، وقال: إنّ البودسير بن قفطريم بن قبطيم بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام في أيامه بنيت بصحراء الغرب مناير ومنتزهات، وحوّل إليها جماعة من أهل بيته، فعمروا تلك النواحي، وبنوا فيها حتى صارت أرض الغرب عامرة كلها، وأقامت على ذلك مدّة كثيرة، فخالطهم البربر، ونكحوا منهم، ثم تحاسدوا، فكانت بينهم حروب خربت فيها تلك الجهات، وبادت إلا بقية منازل تسمى: الواحات.
ذكر مدينة سنتريّة «١»
ومدينة سنتريّة: من جملة الواحات بناها: مناقيوش باني مدينة إخميم، كان أحد ملوك القبط القدماء، قال ابن وصيف شاه: وكان في حزم أبيه، وحنكته تعظم في أعين أهل مصر، وهو أوّل من عمل الميدان وأمر أصحابه برياضة أنفسهم فيه.
وأوّل من عمل المارستان لعلاج المرضى، والزمنى، وأودعه العقاقير، ورتب فيه الأطباء، وأجرى عليهم ما يسعهم، وأقام الأمناء على ذلك، وصنع لنفسه عيدا، فكان الناس يجتمعون إليه فيه، وسماه عيد الملك في يوم من السنة، فيأكلون، ويشربون سبعة أيام، وهو مشرف عليهم من مجلس على عمد، قد طوّقت بالذهب، وألبست فاخر الثياب المنسوجة بالذهب، وعليه قبة مصفحة من داخل بالرخام والزجاج والذهب، وفي أيامه بنيت: سنترية في صحراء الواحات، عملها من حجر أبيض مربعة، وفي كل حائط باب في وسطه شارع