خرّج مالك في الموطأ: عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال: كان إبراهيم عليه السلام أوّل من ضيّف الضيف، وأوّل من اتخذ دار ضيافة الإسلام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سنة سبع عشرة، وأعدّ فيها الدقيق والسمن والعسل وغيره، وجعل بين مكة والمدينة من يحمل المنقطعين من ماء إلى ماء حتى يوصلهم إلى البلد، فلما استخلف عثمان بن عفان رضي الله عنه، أقام الضيافة لأبناء السبيل، والمتعبدين في المسجد وأوّل من بنى دار الضيافة بمصر للناس: عثمان بن قيس بن أبي العاص السهميّ، أحد من شهد فتح مصر من الصحابة، وكان ميدان القصر الغربيّ الذي هو الآن الخرنشف دار الضيافة بحارة برجوان «١» ، وكانت هذه الدار أوّلا تعرف: بدار الأستاذ برجوان، وفيها كان يسكن حيث الموضع المعروف بحارة برجوان، ثم لما قدم أمير الجيوش بدر الجماليّ في أيام الخليفة المستنصر من عكا، واستبدّ بأمر الدولة أنشأ هناك دارا عظيمة، وسكنها ولم يسكن بدار الديباج التي كانت دار الوزارة القديمة.
فلما مات أمير الجيوش بدر، واستولى سلطنة ديار مصر ابنه الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش، وأنشأ دار القباب التي عرفت: بدار الوزارة الكبرى قريبا من رحبة باب العيد، أقرّ أخاه أبا محمد جعفرا المنعوت: بالمظفر ابن أمير الجيوش، بدار أمير الجيوش من حارة برجوان، فعرفت: بدار المظفر، وما زال بها حتى مات، وقبر بها، وإلى اليوم قبره بها، وتسميه العامّة: جعفرا الصادق. ولما مات المظفر اتخذت داره المذكورة دار ضيافة برسم الرسل الواردين من الملوك، واستمرّت كذلك إلى أن انقرضت الدولة، فأنزل بها السلطان صلاح الدين أولاد العاضد إلى أن نقلهم إلى قلعة الجبل، الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب.
فلما كان في سنة تسع وسبعين وستمائة، تقدّم أمر الملك المنصور قلاون لوكيل بيت المال القاضي: مجد الدين عيسى بن الخشاب ببيع دار المظفر، فباع القاعة الكبرى، وما هو من حقوقها، وبيعت دار المظفر الصغرى، وهدمها الناس، وبنوا في مكانها دورا، وموضعها الآن دار قاضي القضاة شمس الدين محمد الطرابلسيّ الحنفيّ، وما بجوارها إلى الدار التي بها سكنى اليوم، وهي من حقوق دار المظفر الصغرى، على ما في كتبها القديمة، ولما أنشأ قاضي القضاة شمس الدين المذكور داره: في سنة سبع أو سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، ظهر من تحت الأرض عند حفر الأساس حجر عظيم، قيل: إنه عتبة دار المظفر الكبرى، وكان إذ