كتامة «١» ، ونقرة «٢» ، تلقوا ذلك من عهد جعفر الصادق، فقدم على محمد بن جعفر والد عبيد الله رجل من شيعته باليمن، فبعث معه الحسن بن حوشب في سنة ثمان وستين ومائتين، فأظهرا أمرهما باليمن، وأشهرا الدعوة في سنة سبعين، وصار لابن حوشب دولة بصنعاء، وبث الدعاة بأقطار الأرض، وكان من جملة دعاته أبو عبد الله الشيعيّ، فسيره إلى المغرب، فلقي كتامة ودعاهم، فلما مات محمد بن جعفر عهد لابنه عبيد الله، فطلبه المكتفي العباسيّ، وكان يسكن عسكر مكرّم، فسار إلى الشام، ثم سار إلى المغرب، فكان من أمره ما كان، وكانت رجال هذه الدولة الذين قاموا ببلاد المغرب، وديار مصر «٣» عشر رجلا هذه خلاصة أخبارهم في أنسابهم، فتفطن ولا تغترّ بزخرف القول الذي لفقوه من الطعن فيهم، والله يهدي من يشاء.
[ذكر الخلفاء الفاطميين]
وكان ابتداء الدولة الفاطمية أن أبا عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن زكرياء الشيعيّ سار إلى أبي القاسم الحسين بن فرج بن حوشب الكوفيّ القائم ببلاد اليمن، وصار من كبار أصحابه وله علم، وعنده دهاء ومكر، فورد على ابن حوشب من المغرب، خبر موت الحلوانيّ داعية في المغرب ورفيقه، فقال لأبي عبد الله الشيعيّ: قد خرّب الحوانيّ، وأبو يوسف بلاد المغرب، وقد ماتا، وليس للبلاد إلّا أنت فإنها موطأة ممهدة، فخرج أبو عبد الله إلى مكة، وقصد حجاج كتامة، فجلس قريبا منهم، وسمعهم يتحدّثون بفضائل البيت، فحدّثهم في معناه، فمالوا إليه، وسألوه أن يأذن لهم في زيارته، فلما زاروه سألوه عن مقصده، فلم يخبرهم، وأوهمهم أنه يريد مصر، فسرّوا بصحبته، ورحلوا، وهو رفيقهم فشاهدوا من عبادته، وزهده ما زادهم رغبة فيه، هذا وهو يسألهم عن أحوالهم وقبائلهم، حتى صار يعرف جميع أمورهم، فلما وصلوا مصر همّ بمفارقتهم، فقالوا: أيّ شيء تطلب من مصر؟ فقال: أطلب التعليم بها، فقالوا: إذا كان قصدك هذا، فبلادنا أنفع لك، وما زالوا به حتى سار معهم، فلما وصلوا بلادهم اقترعوا فيمن يضيفه منهم، ومن بقية أصحابهم، ووصلوا به أرض كتامة للنصف من ربيع الأوّل سنة ثمان وثمانين ومائتين، وكادوا يحتربون عليه أيّهم ينزل عنده، فأبى أن ينزل عندهم، وقال: أين يكون فج الأخيار؟ فعجبوا لذلك! إذ لم يكونوا ذكروه له قط، فدلوه عليه، فسار إليه، وقال: هذا فج الأخيار، وما سمي إلا بكم، ولقد جاء في الآثار للمهديّ هجرة عن الأوطان ينصره فيها الأخيار من أهل ذلك الزمان قوم اسمهم مشتق من الكتمان، وبخروجكم في هذا الفج سمي فج الأخيار،