بذلك مصر، ممن أرادها، وفرغت من بنائه في ستة أشهر، وهو الجدار الذي يقال له: جدار العجوز بمصر، وقد بقيت بالصعيد منه بقايا كبيرة، والله أعلم.
[ذكر البقط]
البقط: ما يقبض من سبي النوبة في كل عام، ويحمل إلى مصر، ضريبة عليهم، فإن كانت هذه الكلمة عربية، فهي إمّا من قولهم في الأرض بقط من بقل وعشب، أي نبذ من مرعى، فيكون معناه على هذا، نبذة من المال أو يكون من قولهم، إنّ في بني تميم، بقطا من ربيعة أي فرقة أو قطعة، فيكون معناه على هذا، فرقة من المال، أو قطعة منه، ومنه بقط الأرض، فرقة منها، وبقط الشيء: فرّقه.
والبقط: أن تعطي الحبة على الثلث أو الربع، والبقط أيضا: ما سقط من التمر إذا قطع، فأخطأ المخرف، فيكون معناه على هذا بعض ما في أيدي النوبة، وكان يؤخذ منهم في قرية يقال لها: القصر، مسافتها من أسوان خمسة أميال فيما بين بلد بلاق وبلد النوبة، وكان القصر فرضة لقوص، وأوّل ما تقرّر هذا البقط على النوبة في إمارة عمرو بن العاص، لما بعث عبد الله بن سعد بن أبي سرح، بعد فتح مصر إلى النوبة سنة عشرين، وقيل: سنة إحدى وعشرين في عشرين ألفا، فمكث بها زمانا، فكتب إليه عمرو يأمره بالرجوع إليه.
فلما مات عمرو رضي الله عنه، نقض النوبة الصلح الذي جرى بينهم وبين عبد الله بن سعد، وكثرت سراياهم إلى الصعيد، فأخربوا، وأفسدوا، فغزاهم مرّة ثانية عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وهو على إمارة مصر في خلافة عثمان رضي الله عنه، سنة إحدى وثلاثين، وحصرهم بمدينة دنقلة حصارا شديدا، ورماهم بالمنجنيق، ولم تكن النوبة تعرفه وخسف بهم كنيستهم بحجر، فبهرهم ذلك، وطلب ملكهم واسمه: قليدوروث الصلح، وخرج إلى عبد الله وأبدى ضعفا ومسكنة وتواضعا، فتلقاه عبد الله ورفعه وقرّبه، ثم قرر الصلح معه على ثلثمائة وستين رأسا في كل سنة، ووعده عبد الله بحبوب يهديها إليه لما شكا له قلة الطعام ببلده، وكتب لهم كتابا نسخته بعد البسملة.
عهد من الأمير عبد الله بن سعد بن أبي سرح، لعظيم النوبة ولجميع أهل مملكته، عهد عقده على الكبير والصغير من النوبة من حدّ أرض أسوان إلى حدّ أرض علوة أنّ عبد الله ابن سعد، جعل لهم أمانا وهدنة جارية بينهم، وبين المسلمين ممن جاورهم من أهل صعيد مصر، وغيرهم من المسلمين، وأهل الذمّة، إنكم معاشر النوبة آمنون بأمان الله وأمان رسوله محمد النبيّ صلى الله عليه وسلم، أن لا نحاربكم، ولا ننصب لكم حربا ولا نغزوكم ما أقمتم على الشرائط التي بيننا وبينكم على أن تدخلوا بلدنا مجتازين غير مقيمين فيه، وندخل بلدكم مجتازين غير مقيمين فيه، وعليكم حفظ من نزل بلدكم، أو يطرقه من مسلم أو معاهد، حتى يخرج عنكم، وإنّ عليكم ردّ كل آبق خرج إليكم من عبيد المسلمين، حتى تردّوه إلى أرض