أمانا بقي عندهم، وكتب لهم أيضا بجراية الوجه البحري، فاستمرّت بأيديهم، وإنّ جرايتهم جاءت في سنة زيادة على خمسة آلاف أردب وهي الآن لا تبلغ مائة أردب.
[ذكر مدينة مدين]
اعلم أن مدين أمّة شعيب هم: بنو مديان «١» بن إبراهيم عليه السلام، وأمهم قنطوراء «٢» ابنة يقطان الكنعانية، ولدت له «٣» ثمانية من الولد، تناسلت منهم أمم، ومدين على بحر القلزم تحاذي تبوك على نحو ست مراحل وهي أكبر من تبوك، وبها البئر التي استقى منها موسى لسائمة شعيب، وعمل عليها بيت.
قال الفرّاء: مدين اسم بلد وقطر، وقيل: اسم قبيلة سميت باسم أبيها مدين.
ويقال له: مديان بن إبراهيم، قاله مقاتل وغيره، والجمهور على أنّ مدين أعجميّ، وقيل: عربيّ، فإن كان عربيا فإنه يحتمل أن يكون فعيلا من مدّن بالمكان، أقام به، وهو بناء نادر، وقيل: مهمل أو مفعلا من دان فتصحيحه شاذ، وهو ممنوع الصرف على كل حال، سواء كان اسم الأرض أو اسم القبيلة عجميا أو عربيا.
وقال المسعوديّ: قد تنازع أهل الشرائع في قوم شعيب بن نوفل بن رعويل بن مرّ بن عيقا بن مدين بن إبراهيم عليه السلام، وكان لسانه العربية، فمنهم من رأى أنهم من العرب الدائرة والأمم البائدة، وبعض من ذكرنا من الأجيال الخالية، ومنهم من رأى أنهم من ولد المحصن بن جندل بن يعصب بن مدين بن إبراهيم الخليل، وأنّ شعيبا آخرهم في النسب، وقد كانوا عدّة ملوك تفرّقوا في ممالك متصلة، فمنهم المسمى: بأبجد، وهوّز، وحطي، وكلمن، وسعفص، وقرشت، وهم على ما ذكرنا بنو المحصن بن جندل.
وأحرف الجمل هي: أسماء هؤلاء الملوك وهي الاثنان والعشرون حرفا التي عليها حساب الجمل، وقد قيل في هذه الحروف غير ما ذكرنا من الوجوه، فكان أبجد، ملك مكة، وما يليها من الحجاز، وكان هوّز وحطي، ملكين ببلادوج، وهي الطائف وما اتصل بذلك من أرض نجد، وكلمن وسعفص وقرشت، ملوك بمدين، وقيل: ببلاد مصر، وكان كلمن على ملك مدين، ومن الناس من رأى أنه كان ملك جميع من سمينا مشاعا متصلا على ما ذكرنا، وإنّ عذاب يوم الظلة كان في ملك، كلمن منهم، وإنّ شعيبا دعاهم، فكذبوه وعدهم بعذاب يوم الظلة، ففتح عليهم باب من السماء من نار، ونجا شعيب بمن آمن معه إلى الموضع المعروف بأيلة، وهي غيضة نحو مدين، فلما أحس القوم بالبلاء واشتدّ عليهم الحرّ، وأيقنوا بالهلاك طلبوا شعيبا، ومن آمن معه، وقد أظلتهم سحابة بيضاء طيبة النسيم