وسيأتي لذلك مزيد بيان عند ذكر القطائع، وعند ذكر خط قناطر السباع، وغيره من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
[ذكر من نزل العسكر من أمراء مصر من حين بني إلى أن بنيت القطائع]
إعلم: أنّ أمراء مصر ما برحوا ينزلون فسطاط مصر منذ اختط بعد الفتح إلى أن بنى أب عون العسكر، فصارت أمراء مصر من عهد أبي عون إنما ينزلون بالعسكر، وما برحوا على ذلك إلى أن أنشأ الأمير أبو العباس أحمد بن طولون القصر والميدان والقطائع، فتحوّل من العسكر إلى القصر، وسكن فيه وسكنه الأمراء من أولاده بعده إلى أن زالت دولتهم، فسكن الأمراء بعد ذلك العسكر إلى أن زالت دولة الإخشيدية بقدوم جوهر القائد من المغرب.
وأوّل من سكن العسكر من أمراء مصر: أبو عون: عبد الملك بن يزيد من أهل جرجان ولي صلاة مصر وخراجها، باستخلاف صالح بن عليّ له، في مستهل شعبان سنة ثلاث وثلاثين ومائة، ووقع الوباء بمصر، فهرب أبو عون إلى يشكر، واستخلف صاحب شرطته عكرمة بن عبد الله بن عمرو بن قحزم، وخرج إلى دمياط في سنة خمس وثلاثين ومائة، واستخلف عكرمة، وجعل على الخراج: عطاء بن شرحبيل، وخرج القبط بسمنود، فبعث إليهم وقتلهم، وورد الكتاب بولاية صالح بن عليّ على مصر وفلسطين والمغرب، جمعلت له، ووردت الجيوش من قبل أمير المؤمنين السفاح لغزو المغرب.
فولي: صالح بن عليّ الثانية على الصلاة والخراج، فدخل لخمس خلون من ربيع الآخر سنة ست وثلاثين ومائة، فأقرّ عكرمة على شرطة الفسطاط، وجعل على شرطته بالعسكر: يزيد بن هاني الكنديّ، وولى أبا عون جيوش المغرب، وقدّم أمامه دعاة لأهل إفريقية، وخرج أبو عون في جمادى الآخرة، وجهزت المراكب من الإسكندرية إلى برقة، فمات السفاح في ذي الحجة، واستخلف أبو جعفر عبد الله بن محمد المنصور، فأقرّ صالحا، وكتب إلى أبي عون بالرجوع، وردّ الدعاة، وقد بلغوا شبرت «١» ، وبلغ أبو عون برقة، فأقام بها أحد عشر يوما، ثم عاد إلى مصر في جيشه، فجهزه صالح إلى فلسطين لحربه فغلب، وسير إلى مصر ثلاثة آلاف رأس، ثم خرج صالح إلى فلسطين، واستخلف ابنه الفضل، فبلغ بلبيس ورجع، ثم خرج لأربع خلون من رمضان سنة سبع وثلاثين، فلقي أبا عون بالفرما، فأمّره على مصر صلاتها وخراجها، ومضى فدخل أبو عون الفسطاط لأربع بقين من رمضان.