وكان عددهم نحوا من مائتين وثلاثين، فأنزلوا بالظاهر أحد خطط مصر، وكان إذ ذاك طرقا، أراد أن يسدّ بهم ذلك الموضع، فنزلوا في الموضع المعروف بكوم سراج، وكان فضاء، فبنوا لهم مسجدا واتخذوا سوقا لأنفسهم، فسمى سويقة العراقيين.
[ذكر العوائد التي كانت بقصبة القاهرة]
إعلم أن قصبة القاهرة ما برحت محترمة، بحيث أنه كان في الدولة الفاطمية إذا قدم رسول متملّك الروم، ينزل من باب الفتوح ويقبل الأرض وهو ماش إلى أن يصل إلى القصر، وكذلك كان يفعل كل من غضب عليه الخليفة، فإنه يخرج إلى باب الفتوح ويكشف رأسه ويستغيث بعفو أمير المؤمنين حتى يؤذن له بالمصير إلى القصر، وكان لها عوايد منها:
أن السلطان من ملوك بني أيوب ومن قام بعدهم من ملوك الترك، لا بدّ إذا استقرّ في سلطنة ديار مصر أن يلبس خلعة السلطان بظاهر القاهرة، ويدخل إليها راكبا والوزير بين يديه على فرس، وهو حامل عهد السلطان الذي كتبه له الخليفة بسلطنة مصر على رأسهم، وقد أمسكه بيديه، وجميع الأمراء ورجال العساكر مشاة بين يديه منذ يدخل إلى القاهرة من باب الفتوح، أو من باب النصر، إلى أن يخرج من باب زويلة. فإذا خرج السلطان من باب زويلة ركب حينئذ الأمراء وبقية العسكر.
ومنها أنه لا يمرّ بقصبة القاهرة حمل تبن، ولا حمل حطب، ولا يسوق أحد فرسا بها، ولا يمرّ بها سقّاء إلّا وراويته «١» مغطاة.
ومن رسم أرباب الحوانيت أن يعدّوا عند كل حانوت زيرا مملوءا بالماء مخافة أن يحدث الحريق في مكان فيطفأ بسرعة، ويلزم صاحب كل حانوت أن يعلق على حانوته قنديلا طول الليل يسرج إلى الصباح، ويقام في القصبة قوم يكنسون الأزبال والأتربة ونحوها، ويرشون كل يوم، ويجعل في القصبة طول الليل عدّة من الخفراء يطوفون بها لحراسة الحوانيت وغيرها، ويتعاهد كل قليل بقطع ما عساه تربى من الأوساخ في الطرقات حتى لا تعلو الشوارع.
وأوّل من ركب بخلع الخليفة في القاهرة السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب. قال القاضي الفاضل في متجدّدات سنة سبع وستين وخمسمائة، تاسع شهر رجب وصلت الخلع التي كانت نفذت إلى السلطان الملك العادل نور الدين محمد بن زنكي من الخليفة ببغداد، وهي جبة سوداء وطوق ذهب، فلبسها نور الدين بدمشق إظهارا لشعارها، وسيّرها إلى الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب ليلبسها، وكانت أنفذت