للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يمضوا إلى الديوان، ويدفعون فيه زيادة إمّا لقلة شره الناس إذ ذاك وتركهم الأخلاق الرذيلة من الحسد ونحوه أو لعلمهم بعدل السلطان، وإنه لا ينكث ما عقده، وفي زمننا لو ادّعى عدوّ على عدوّه أنّ البضاعة التي كان اشتراها من الديوان قيمتها أكثر مما أخذها به لقبل قوله، ورغم زيادة على ما ادّعاه عدوّه من قلة القيمة جملة أخرى لا جرم أنه تظاهر سفهاء الناس بكل رذيلة وذميمة من الأخلاق، فإنّ الملك سوق يجبى إليه ما نفق به، وكيف لما علم ابن عقيل أنّ غلامه استفاد على اسمه ألف دينار، لم يشره إلى أخذها بل دفع عنه خمسة الدنانير، وما ذاك إلا من انتشار الخير في الناس، وكثرة أموالهم، وسعة حال كل أحد بحسبه وطيب نفوس الكافة، ولعمري لو سمع زمننا أحد من الأمراء والوزراء فضلا عن الباعة، أنّ غلاما من غلمانه أخذ على اسمه عشر هذا المبلغ لقامت قيامته، وكيف اتسعت أحوال الخشابين حتى وزنوا ألف دينار في ساعة، وإنه ليعسر اليوم على الخشابين أن يزنوا في يوم مائة دينار، وهذا كله من وفور غنى الناس بمصر، وعظم أمرهم، وكثرة سعاداتهم، وكان الفسطاط نحو ثلث بغداد، ومقداره فرسخ على غاية العمارة، والخصب والطيبة، واللذة، وكانت مساكن أهلها خمس طبقات وستا وسبعا وربما سكن في الدار الواحدة المائتان من الناس، وكان فيه دار عبد العزيز بن مروان يصب فيها لمن في كل يوم أربعمائة راوية ماء، وكان فيها خمسة مساجد وحمامان، وعدّة أفران يخبز بها عجين أهلها، وقد قال أبو داود في كتاب السنن: شبرت قثاءة بمصر: ثلاثة عشر شبرا، ورأيت أترجة على بعير قطعتين: قطعت، وصيرت على مثل عدلين، ذكره في باب صدقة الزرع من كتاب الزكاة، قلت: وقد ذكر أن هذا كان في جنان بني سنان البصريّ خارج مدينة الفسطاط، وكانت بحيث لم ير أبدع منها، فلما قدم أمير المؤمنين عبد الله المأمون بن هارون الرشيد مصر:

سنة سبع عشرة ومائتين، رأى جنان بني سنان هذه؟ فأعجب بها، وسأل إبراهيم بن سنان:

كم عليه من الخراج لجنانه؟ فذكر أنه يحمل إلى الديوان في كل سنة عشرين ألف دينار، فقال المأمون: وكم ترد عليك هذه الجنان؟ قال: لا أستطيع حصره إلا أن ما زاد على مائة ألف دينار، أتصدّق به ولو درهما هذا، وله ولد اسمه أحمد بن إبراهيم بن سنان يوصف بعلم وزهد، والله تعالى أعلم.

[ذكر الآثار الواردة في خراب مصر]

روى قاسم بن أصبغ عن كعب الأحبار قال: الجزيرة آمنة من الخراب، حتى تخرب أرمينية، ومصر آمنة من الخراب حتى تخرب الجزيرة، والكوفة آمنة من الخراب، حتى تكون الملحمة، ولا يخرج الدجال حتى تفتح القسطنطينية.

وعن وهب بن منبه أنه قال: الجزيرة آمنة من الخراب، حتى تخرب أرمينية، وأرمينية آمنة من الخراب حتى تخرب مصر، ومصر آمنة من الخراب، حتى تخرب الكوفة، ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>