قال: ولما كثرت الأموال عند ابن أبي الليث صاحب الديوان، رغب في التبجح على الأفضل بن أمير الجيوش ينهضه، ويسأله أن يشاهده قبل حمله، وذكر أنه سبعمائة ألف دينار خارجا عن نفقات الرجال، فجعلت الدنانير في صناديق بجانب، والدراهم في صناديق بجانب، وقام ابن أبي الليث بين الصفين، فلما شاهد الأفضل بن أمير الجيوش ذلك، قال لابن أبي الليث: يا شيخ تفرّحني بالمال؟ وتربة أمير الجيوش إن بلغني أن بئرا معطلة، أو أرضا بائرة، أو بلدا خراب، لأضربنّ عنقك، فقال: وحق نعمتك لقد حاشا الله أيامك أن يكون فيها بلد خراب، أو بئر معطلة، أو أرض بور، فأبى أن يكشف عما ذكر انتهى.
وقتل ابن أبي الليث في سنة ثمان عشرة وخمسمائة.
[ديوان الجيوش والرواتب]
قال ابن الطوير: أما الخدمة في ديوان الجيوش، فتنقسم قسمين: الأوّل ديوان الجيش، وفيه مستوف أصيل ولا يكون إلّا مسلما، وله مرتبة على غيره لجلوسه بين يدي الخليفة داخل عتبة باب المجلس، وله الطرّاحة، والمسند، وبين يديه الحاجب، وترد عليه أمور الأجناد، له العرض والحلي والثياب.
ولهذا الديوان خازنان برسم رفع الشواهد، وإذا عرض أحد الأجناد، ورضي به عرض دوابه، فلا يثبت له إلّا الفرس الجيد من ذكور الخيل، وإناثها، ولا يترك لأحد منهم برذون ولا بغل، وإن كان عندهم البراذين والبغال، وليس لهم تغيير أحد من الأجناد إلّا بمرسوم، وكذلك إقطاعهم، ويكون بين يدي هذا المستوفي: نقباء الأمراء ينهون إليه متجدّدات الأجناد من الحياة والموت والمرض والصحة، وكان قد فسح للأجناد في مقايضة بعضهم بعضا في الإقطاع بالتوقيعات بغير علامة، بل بتخريج صاحب ديوان المجلس، ومن هذا الديوان تعمل أوراق أرباب الجرايات، وما كان لأمير، وإن علا قدره بلد مقور إلّا نادرا.
وأما القسم الثاني من هذا الديوان: فهو ديوان الرواتب، ويشتمل على أسماء كل مرتزق، وجار، وجارية، وفيه كاتب أصيل بطرّاحة، وفيه من المعينين والمبيضين نحو عشرة أنفس والتعريفات واردة عليه من كل عمل باستمرار من هو مستمرّ، ومباشرة من استجدّ، وموت من مات ليوجب استحقاقه على النظام المستقيم.
وفي هذا الديوان عدّة عروض، العرض الأوّل: يشتمل على راتب الوزير، وهو في الشهر خمسة آلاف دينار، ومن يليه من ولد، وأخ من ثلثمائة دينار إلى مائتي دينار، ولم يقرّر لولد وزير خمسمائة دينار سوى شجاع بن شاور، المنعوت: بالكامل، حواشيهم على مقتضى عدّتهم، من خمسمائة إلى أربعمائة إلى ثلثمائة خارجا عن الإقطاعات.
العرض الثاني حواشي الخليفة، وأوّلهم: الأستاذون المحنكون على رتبهم، وجواري