وولى تدريسها جماعة من الأكابر الأعيان، ثم خلت من مدرّس ثلاثين سنة، واكتفى فيها بالمعيدين وهم عشرة أنفس، فلما كانت سنة ثمان وسبعين وستمائة ولى تدريسها قاضي القضاة تقيّ الدين محمد بن رزين الحمويّ بعد عزله من وظيفة القضاء، وقرّر له نصف المعلوم. فلما مات وليها الشيخ تقيّ الدين بن دقيق العيد بربع المعلوم، فلما ولي الصاحب برهان الدين الخضر السنجاريّ التدريس قرّر له المعلوم الشاهد به كتاب الوقف.
[المدرسة المسلمية]
هذه المدرسة بمدينة مصر في خط السيوريين، أنشأها كبير التجار ناصر الدين محمد بن مسلّم- بضم الميم وفتح السين المهملة وتشديد اللام- البالسيّ الأصل ابن بنت كبير التجار شمس الدين محمد بن بسير- بفتح الباء أوّل الحروف وكسر السين المهملة ثم ياء آخر الحروف بعدها راء- ومات في سنة ست وسبعين وسبعمائة، قبل أن تتمّ. فوصى بتكملتها وأفرد لها مالا ووقف عليها دورا وأرضا بناحية قليوب، وشرط أن يكون فيها مدرس مالكيّ ومدرّس شافعيّ ومؤدّب أطفال وغير ذلك، فكملها مولاه ووصيه الكبير كافور الخصيّ الروميّ بعد وفاة استاذه، وهي الآن عامرة، وبلغ ابن مسلَّم هذا من وفور المال وعظم السعادة ما لم يبلغه أحد ممن أدركناه، بحيث أنه جاء نصيب أحد أولاده نحو مائتي ألف دينار مصرية، وكان كثير الصدقات على الفقراء، مقترا على نفسه إلى الغاية، وله أيضا مطهرة عظيمة بالقرب من جامع عمرو بن العاص، ونفعها كبير، وله أيضا دار جليلة على ساحل النيل بمصر، وكان أبوه تاجرا سفارا بعد ما كان حمالا، فصاهر ابن بسير ورزق محمدا هذا من ابنته، فنشأ على صيانة ورزق الحظ الوافر في التجارة وفي العبيد، فكان يبعث أحدهم بمال عظيم إلى الهند، ويبعث آخر بمثل ذلك إلى بلاد التكرور «١» ، ويبعث آخر إلى بلاد الحبشة، ويبعث عدّة آخرين إلى عدّة جهات من الأرض، فما منهم من يعود إلّا وقد تضاعفت فوائد ماله أضعافا مضاعفة.
[مدرسة اينال]
هذه المدرسة خارج باب زويلة بالقرب من باب حارة الهلالية بخط القماحين، كان موضعها في القديم من حقوق حارة المنصورة، أوصى بعمارتها الأمير الكبير سيف الدين اينال اليوسفيّ، أحد المماليك اليلبغاوية. فابتدأ بعملها في سنة أربع وتسعين، وفرغت في سنة خمس وتسعين وسبعمائة، ولم يعمل فيها سوى قرّاء يتناوبون قراءة القرآن على قبره، فإنه لما مات في يوم الأربعاء رابع عشر جمادى الآخرة سنة أربع وتسعين وسبعمائة دفن