مروان، وهو رجل من لواتة إلا أنه مروانيّ الذهب، ويركب في آلاف من الناس خيلا ونجبا، وبينه وبين الأحابش نحو من ستة أيام، وكذلك بينه وبين سائر ما ذكرنا من العمائر هذا المقدار من المسافة، وفي أرضه خواص وعجائب، وهو بلد قائم بنفسه غير متصل بغيره، ولا يفتقر إليه، ويحمل من أرضه التمر والزبيب والعناب.
وحدّثني وكيل أبي الشيخ المعز حسام الدين عمرو بن محمد بن زنكي الشهرزوري:
أنه سمع ببلاد الواحات، أنّ فيها شجرة تاريخ يقطف منها في سنة واحدة أربعة عشر ألف حبة نارنج صفراء، سوى ما يتناثر، وسوى ما هو أخضر، فلم أصدّق ذلك لغرابته، وقمت حتى شاهدت الشجرة المذكورة، فإذا هي كأعظم ما يكون من شجر الجميز بمصر وأكبر، وسألت مستوفي البلد عنها، فأحضر إليّ جرائد حسباناته وتصفحها حتى أوقفني على أن منها في سنة كذا قطف من النارنجة اللانية، أربعة عشر ألف حبة نارنج مستوية صفراء، سوى ما بقي عليها من الأخضر، وسوى ما تناثر منها وهو صغير.
وبالواحات الشبّ الأبيض بواد تجاه مدينة أدفو «١» كان في زمن الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر، وفي زمن ابنه الصالح نجم الدين أيوب على مقطعي الواحات حمل ألف قنطار شب أبيض في كل سنة إلى القاهرة، ويطلق لهم في نظير ذلك جوالي الواحات، ثم أهمل هذا فبطل.
وفي سنة تسع وثلاثين وثلثمائة، سار ملك النوبة في جيش عظيم إلى الواحات، فأوقع بأهلها، وقتل منها، وأسر كثيرا.
[ذكر مدينة قوص]
اعلم: أنّ قوص أعظم مدائن الصعيد، وهي على النيل بنيت بعد قفط في أيام ملك من ملوك القبط الأول يقال له: سدان بن عديم بن البودسير بن قفطريم.
قيل: سميت باسم قوص بن قفط بن أخميم بن سيفاف بن أشمن بن مصر، قال ابن وصيف شاه: سدان بن عديم، هو الذي بنى الأهرام الدهشورية من الحجارة التي قطعت في زمان أبيه، وعمل مصاحف النيرنجات، وهيكل أرمنت، وعمل في المدائن الداخلة من أنصنا هيكلا، وأقام فيه في أتريب، وهيكلا في شرقيّ الإسكندرية، وبنى في الجانب الشرقيّ مدائن، وفي أيامه بنيت قوص العالية، وأسكن فيها قوما من أهل الحكمة، وأهل الصناعات، وكان الحبش والسودان، قد عاثوا في بلده، فأخرج لهم، ابنه منقاوش في جيش عظيم، فقتل منهم، وسبى، واستعبد الذين سباهم، وصار ذلك سبّة لهم، واقتطع معدن