القاضي أبي الحجاج، المعروف بمسجد عبد الجبار، وهو في وسط القلعة، بعده تربة لاون أخي يانس، ومسجد القاضي النبيه، كان لمام الدولة غنّام، ومات رسولا ببلاد الشام، وشراه منه وأنشأه القاضي النبيه، وقبره به، وكان القاضي من الأعيان.
وقال ابن عبد الظاهر: أخبرني والدي قال: كنا نطلع إليها، يعني إلى المساجد التي كانت موضع قلعة الجبل، قبل أن تسكن في ليالي الجمع، نبيت متفرّجين كما نبيت في جواسق الجبل والقرافة.
قال مؤلفه رحمه الله: وبالقلعة الآن مسجد الردينيّ، وهو أبو الحسن علي بن مرزوق بن عبد الله الردينيّ الفقيه المحدّث المفسر، كان معاصرا لأبي عمر وعثمان بن مرزوق الحوفيّ، وكان ينكر على أصحابه، وكانت كلمته مقبولة عند الملوك، وكان يأوي بمسجد سعد الدولة، ثم تحوّل منه إلى مسجد عرف بالردينيّ، وهو الموجود الآن بداخل قلعة الجبل، وعليه وقف بالإسكندرية، وفي هذا المسجد قبر يزعمون أنه قبره، وفي كتب المزارات بالقرافة، أنّه توفي ودفن بها في سنة أربعين وخمسمائة، بخط سارية شرقيّ تربة الكيروانيّ، واشتهر قبره بإجابة الدعاء عنده.
[ذكر بناء قلعة الجبل]
وكان سبب بنائها أن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، لما أزال الدولة الفاطمية من مصر واستبدّ بالأمر، لم يتحوّل من دار الوزارة بالقاهرة، ولم يزل يخاف على نفسه من شيعة الخلفاء الفاطميين بمصر، ومن الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي سلطان الشام، رحمة الله عليه، فامتنع أوّلا من نور الدين بأن سير أخاه الملك المعظم شمس الدولة توران شاه بن أيوب في سنة تسع وستين وخمسمائة، إلى بلاد اليمن لتصير له مملكة تعصمه من نور الدين، فاستولى شمس الدولة على ممالك اليمن، وكفى الله تعالى صلاح الدين أمر نور الدين ومات في تلك السنة، فحلاله الجوّ وأمن جانبه، وأحبّ أن يجعل لنفسه معقلا بمصر، فإنه كان قد قسم القصرين بين أمرائه وأنزلهم فيهما، فيقال أنّ السبب الذي دعاه إلى اختيار مكان قلعة الجبل، أنه علق اللحم بالقاهرة فتغير بعد يوم وليلة، فعلق لحم حيوان آخر في موضع القلعة فلم يتغير إلا بعد يومين وليلتين، فأمر حينئذ بإنشاء قلعة هناك، وأقام على عمارتها الأمير بهاء الدين قراقوش الأسديّ، فشرع في بنائها وبنى سور القاهرة الذي زاده في سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة، وهدم ما هنالك من المساجد وأزال القبور وهدم الأهرام الصغار التي كانت بالجيزة تجاه مصر، وكانت كثيرة العدد، ونقل ما وجد بها من الحجارة وبنى به السور والقلعة وقناطر الجيزة، وقصد أن يجعل السور يحيط بالقاهرة والقلعة ومصر، فمات السلطان قبل أن يتم الغرض من السور والقلعة، فأهمل العمل إلى أن كانت سلطنة الملك الكامل محمد بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب في قلعة الجبل