لو صح ذا كان الإله بزعمكم ... منع الشريعة أن تقام حدودها
حاشا وكلّا أنّ يكون إلهنا ... ينهى عن الفحشاء ثم يريدها
وله قصيدة سماها الجوهرية، في الردّ على القدرية، وجدّد الجامع الذي بالقرافة الكبرى، ووقف ناحية بلقس على أن يكون ثلثاها على الأشراف من بني حسن وبني حسين ابني عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم، وسبع قراريط منها على أشراف المدينة النبوية، وجعل فيها قيراطا على بني معصوم إمام مشهد عليّ رضي الله عنه، ولما ولى الوزارة مال على المستخدمين بالدولة وعلى الأمراء، وأظهر مذهب الإمامية وهو مخالف لمذهب القوم، وباع ولايات الأعمال للأمراء بأسعار مقرّرة، وجعل مدة كلّ متولى ستة أشهر، فتضرّر الناس من كثرة تردّد الولاة على البلاد، وتعبوا من ذلك، وكان له مجلس في الليل يحضره أهل العلم ويدوّنون شعره، ولم يترك مدّة أيامه غزو الفرنج وتسيير الجيوش لقتالهم في البرّ والبحر، وكان يخرج البعوث في كل سنة مرارا، وكان يحمل في كلّ عام إلى أهل الحرمين مكة والمدينة من الأشراف سائر ما يحتاجون إليه من الكسوة وغيرها، حتى يحمل إليهم ألواح الصبيان التي يكتب فيها، والأقلام والمداد وآلات النساء، ويحمل كلّ سنة إلى العلويين الذين بالمشاهد جملا كبيرة، وكان أهل العلم يغدون إليه من سائر البلاد، فلا يخيب أمل قاصد منهم.
ولما كان في الليلة التي قتل صبيحتها قال: في هذه الليلة ضرب في مثلها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وأمر بقربة ممتلئة فاغتسل وصلّى على رأي الإمامية مائة وعشرين ركعة، أحيا بها ليله، وخرج ليركب فعثر وسقطت عمامته عن رأسه وتشوّشت، فقعد في دهليز دار الوزارة وأمر بإحضار ابن الضيف، وكان يتعمم للخلفاء والوزراء، وله على ذلك الجاري الثقيل، فلما أخذ في إصلاح العمامة قال رجل للصالح:
نعيذ بالله مولانا، ويكفيه هذا الذي جرى أمرا يتطير منه، فإن رأى مولانا أن يؤخر الركوب فعل، فقال: الطيرة من الشيطان، ليس إلى تأخير الركوب سبيل، وركب فكان من ضربه ما كان، وعاد محمولا فمات منها كما تقدّم.
[ذكر الأحباس وما كان يعمل فيها]
اعلم أن الأحباس في القديم لم تكن تعرف إلّا في الرباع وما يجري مجراها من المباني، وكلها كانت على جهات برّ. فأما المسجد الجامع العتيق بمصر، فكان يلي إمامته في الصلوات الخمس، والخطابة فيه يوم الجمعة، والصلاة بالناس صلاة الجمعة أمير البلد، فتارة يجمع للأمير بين الصلاة والخراج، وتارة يفرد الخراج عن الأمير، فيكون الأمير إليه أمر الصلاة بالناس والحرب، والآخر أمر الخراج، وهو دون مرتبة أمير الصلاة والحرب، وكان الأمير يستخلف عنه في الصلاة صاحب الشرطة إذا شغله أمر، ولم يزل الأمر على ذلك إلى