فبعث إليهم وهزمهم، وبعث إلى الصعيد، فقدم صالح بن عليّ بن عبد الله بن عباس في طلب مروان هو وأبو عون عبد الملك بن يزيد يوم الثلاثاء للنصف من ذي الحجة، فأدرك صالح مروان ببوصير من الجيزة بعد ما استخلف على الفسطاط معاوية بن بحيرة بن ريسان، فحارب مروان حتى قتل ببوصير يوم الجمعة لسبع بقين من ذي الحجة، ودخل صالح إلى الفسطاط يوم الأحد لثمان خلون من المحرّم سنة ثلاث وثلاثين ومائة، وبعث برأس مروان إلى العراق، وانقضت أيام بني أمية.
فولي: صالح بن عليّ بن عبد الله بن عباس، ولي من قبل أمير المؤمنين أبي العباس عبد الله بن محمد السفاح، فاستقبل بولايته المحرّم سنة ثلاث وثلاثين ومائة، وبعث بوفد أهل مصر إلى أبي العباس السفاح ببيعة أهل مصر، وأسر عبد الملك بن موسى بن نصير وجماعة، وقتل كثيرا من شيعة بني أمية، وحمل طائفة منهم إلى العراق، فقتلوا بقلنسوة «١» من أرض فلسطين، وأمر للناس بأعطياتهم للمقاتلة والعيال، وقسمت الصدقات على اليتامى والمساكين، وزاد صالح في المسجد، وورد عليه كتاب أمير المؤمنين السفاح، بإمارته على فلسطين والاستخلاف على مصر، فاستخلف أبا عون مستهلّ شعبان سنة ثلاث وثلاثين، وسار ومعه عبد الملك بن نصير ملزما، وعدّة من أهل مصر صحابة لأمير المؤمنين، وأقطع الذين سوّدوا قطائع منها: منية بولاق، وقرى إهناس، وغيرها ثم من بعد صالح بن عليّ.
سكن أمراء مصر العسكر، وأوّل من سكنه أبو عون، والله تعالى أعلم.
[ذكر العسكر الذي بني بظاهر مدينة فسطاط مصر]
اعلم: أن موضع العسكر قد كان يعرف في صدر الإسلام بالحمراء القصوى، وقد تقدّم أن الحمراء القصوى كانت خطة بني الأزرق، وبني روبيل، وبني يشكر بن جزيلة، ثم دثرت هذه الخطط بعد العمارة بتلك القبائل، حتى صارت صحراء، فلما قدم مروان بن محدم آخر خلفاء بني أمية إلى مصر منهزما من بني العباس نزلت عساكر صالح بن عليّ، وأبي عون عبد الملك بن يزيد في هذه الصحراء، حيث جبل يشكر حتى ملؤوا الفضاء، وأمر أبو عون أصحابه بالبناء فيه، فبنوا وذلك في سنة ثلاث وثلاثين ومائة.
فلما خرج صالح بن عليّ من مصر خرب أكثر ما بنى فيه إلى زمن موسى بن عيسى الهاشميّ فابتنى فيه دارا أنزل فيها حشمة وعبيده، وعمر الناس، ثم ولي: السريّ بن الحكم، فأذن للناس في البناء، فابتنوا فيه وصار مملوكا بأيديهم، واتصل بناؤه ببناء الفسطاط، وبنيت فيه دار الإمارة، ومسجد جامع عرف بجامع العسكر، ثم عرف بجامع ساحل الغلة، وعملت