أيام، وبلغ إقطاعه في السنة خمسة عشر ألف دينار، وتزايد ركوب الحاكم حتى كان يركب في كلّ يوم عدّة مرّات، واشترى الحمير وركبها بدل الخيل.
وفي جمادى الآخرة منها قتل الحسين بن طاهر الوزان، فكانت مدّة نظره في الوساطة سنتين وشهرين وعشرين يوما، فأمر أصحاب الدواوين بلزوم دواوينهم، وصار الحاكم يركب حمارا بشاشية مكشوفة بغير عمامة، ثم أقام عبد الرحيم بن أبي السيد الكاتب وأخاه أبا عبد الله الحسين في الوساطة والسفارة، وأقرّ في وظيفة قضاء القضاة أحمد بن محمد بن أبي العوام، وخرج الحاكم عن الحدّ في العطاء حتى أقطع نواتية المراكب والمشاعلية، وبنى قرّة، فما أقطع الإسكندرية والبحيرة ونواحيهما، وقتل ابني أبي السيد فكانت مدّة نظرهما اثنتين وستين يوما، وقلد الوساطة فضل بن جعفر بن الفرات، ثم قتله في اليوم الخامس من ولايته، وغلب بنو قرّة على الإسكندرية وأعمالها، وأكثر الحاكم من الركوب فركب في يوم ستة مرّات، مرّة على فرس، ومرّة على حمار، ومرّة في محفة تحمل على الأعناق، ومرّة في عشاري في النيل بغير عمامة، وأكثر من إقطاع الجند والعبيد الإقطاعات، وأقام ذا الرياستين قطب الدولة أبا الحسن عليّ بن جعفر بن فلاح في الوساطة والسفارة، وولى عبد الرحيم بن الياس دمشق، فسار إليها في جمادى الآخرة سنة تسع وأربعمائة، فأقام فيها شهرين ثم هجم عليه قوم فقتلوا جماعة ممن عنده، وأخذوه في صندوق وحملوه إلى مصر، ثم أعيد إلى دمشق فأقام بها إلى ليلة عيد الفطر وأخرج منها. فلما كان لليلتين بقيتا من شوّال سنة عشر وأربعمائة، فقد الحاكم وقيل أن أخته قتلته وليس بصحيح، وكان عمره ستا وثلاثين سنة وسبعة أشهر، وكانت مدّة خلافته خمسا وعشرين سنة وشهرا، وكان جوادا سفاكا للدماء، قتل عددا لا يحصى، وكانت سيرته من أعجب السير، وخطب له على منابر مصر والشام وأفريقية والحجاز، وكان يشتغل بعلوم الأوائل، وينظر في النجوم وعمل رصدا واتخذ بيتا في المقطم ينقطع فيه عن الناس لذلك، ويقال أنه كان يعتريه جفاف في دماغه، فلذلك كثر تناقضه، وما أحسن ما قال فيه بعضهم، كانت أفعاله لا تعالى، وأحلام وساوسه لا تؤوّل، وقال المسبحيّ وفي محرّم سنة خمس عشرة وأربعمائة قبض على رجل من بني حسين ثار بالصعيد الأعلى، فأقرّ بأنه قتل الحاكم بأمر الله في جملة أربعة أنفس تفرّقوا في البلاد، وأظهر قطعة من جلدة رأس الحاكم، وقطعة من الفوطة التي كانت عليه، فقيل له لم قتلته؟ فقال: غيرة لله وللإسلام. فقيل له: كيف قتلته؟ فأخرج سكينا ضرب بها فؤاده فقتل نفسه. وقال هكذا قتلته. فقطع رأسه وأنفذ به إلى الحضرة مع ما وجد معه، وهذا هو الصحيح في خبر قتل الحاكم، لا ما تحكيه المشارقة في كتبهم من أن أخته قتلته.
[جامع الفيلة]
هذا الجامع بسطح الجرف المطلّ على بركة الحبش المعروف الآن بالرصد، بناه