للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال الإمام العلامة شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن الصائغ الحنفيّ:

يا ليلة مرّت بنا حلوة ... إن رمت تشبيها لها عبتها

لا يبلغ الواصف في وصفها ... حدّا ولا يلقي له منتهى

بت مع المعشوق في روضة ... ونلت من خرطومه المشتهى

[رباط الآثار]

هذا الرباط خارج مصر بالقرب من بركة الحبش مطلّ على النيل ومجاور للبستان المعروف بالمعشوق. قال ابن المتوّج: هذا الرباط عمره الصاحب تاج الدين محمد بن الصاحب فخر الدين محمد ولد الصاحب بهاء الدين عليّ بن حنا بجوار بستان المعشوق، ومات رحمه الله قبل تكملته، ووصّى أن يكمل من ريع بستان المعشوق، فإذا كملت عمارته يوقف عليه ووصّى الفقيه عز الدين بن مسكين فعمر فيه شيئا يسيرا وأدركه الموت إلى رحمة الله تعالى، وشرع الصاحب ناصر الدين محمد ولد الصاحب تاج الدين في تكملته، فعمر فيه شيئا جيدا انتهى.

وإنما قيل له رباط الآثار لأنّ فيه قطعة خشب وحديد يقال أن ذلك من أثار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، اشتراها الصاحب تاج الدين المذكور بمبلغ ستين ألف درهم فضة من بني إبراهيم أهل ينبع، وذكروا أنها لم تزل عندهم موروثة من واحد إلى آخر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وحملها إلى هذا الرباط وهي به إلى اليوم يتبرّك الناس بها ويعتقدون النفع بها، وأدركنا لهذا الرباط بهجة، وللناس فيه اجتماعات، ولساكنه عدّة منافع ممن يتردّد إليه أيام كان ماء النيل تحته دائما. فلما انحسر الماء من تجاهه وحدثت المحن من سنة ست وثمانمائة قلّ تردّد الناس إليه، وفيه إلى اليوم بقية، ولما كانت أيام الملك الأشرف شعبان بن حسين بن محمد بن قلاون قرّر فيه درسا للفقهاء الشافعية، وجعل له مدرّسا، وعنده عدّة من الطلبة، ولهم جار في كل شهر من وقف وقفه عليهم وهو باق أيضا، وفي أيام الملك الظاهر برقوق وقف قطعة أرض لعمل الجسر المتصل بالرباط، ولهذا الرباط حزانة كتب وهو عامر بأهله.

الوزير الصاحب: تاج الدين محمد بن الصاحب فخر الدين محمد بن الوزير الصاحب بهاء الدين عليّ بن سليم بن حنا، ولد في سابع شعبان سنة أربعين وستمائة، وسمع من سبط السلفيّ وحدّث وانتهت إليه رياسة عصره، وكان صاحب صيانة وسؤدد ومكارم، وشاكلة حسنة وبزة فاخرة إلى الغاية، وكان يتناهى في المطاعم والملابس والمناكح والمساكن، ويجود بالصدقات الكثيرة مع التواضع ومحبة الفقراء وأهل المصلاح والمبالغة في اعتقادهم، ونال في الدنيا من العز والجاه ما لم يره جدّه الصاحب الكبير بهاء الدين، بحيث أنّه لما تقلد الوزير الصاحب فخر الدين بن الخليليّ الوزارة، وسار من قلعة الجبل وعليه

<<  <  ج: ص:  >  >>