وكان بجوار درب السلسلة الدار المأمونية، وهي المدرسة السيوفية، وكانت هذه الدار سكن المأمون ابن البطائحي، وعرفت قديما، بقوام الدولة حبوب، ثمجدّدها المأمون محمد ابن فاتك.
المأمون البطائحي: هو أبو عبد الله محمد ابن الأمير نور الدولة أبي شجاع فاتك بن الأمير منجد الدولة أبي الحسن مختار المستنصري، اتصل بخدمة الأفضل بن أمير الجيوش في شهر شوّال سنة إحدى وخمسمائة، عند ما تغير على تاج المعالي المختار الذي كان اصطنعه، وفخم أمره وسلم إليه خزائن أمواله، وكسواته، وسلم ما كان بيده من الخدمة لمحمد بن فاتك، فتصرّف فيها، وقرّر له الأفضل ما كان باسم مختار من العين خاصة دون الإقطاع، وهو مائة دينار في كل شهر، وثلاثون دينارا عن جاري الخزائن مضافا إلى الأصناف الراتبة مياومة ومشاهرة ومسانهة فحسن عند الأفضل موقع خدمته، فاعتمد عليه وسلم له جميع أموره، وصرّفه في كل أحواله.
فلما كثر عليه الشغل استعان بأخويه أبي تراب حيدرة، وأبي الفضل جعفر، فأطلق الأفضل لهما ما وسع به عليهما من المياومة والمشاهرة والمسانهة، ونعته الأفضل بالقائد، فصار يخاطب بالقائد، ويكاتب به، وصار عنده بمنزلة الأستادار «١» ، فلما قتل الأفضل ليلة عيد الفطر من سنة خمس عشرة وخمسمائة، قام القائد أبو عبد الله بن فاتك لخدمة الخليفة الآمر بأحكام الله وأطلعه على أموال الأفضل، وبالغ في مناصحته، حتى لقد اتهم أنه هو الذي دبر في قتل الأفضل بإشارة الخليفة، فخلع عليه الآمر في مستهل ذي القعدة، بمجلس اللعبة من القصر، وهو المجلس الذي يجلس فيه الخليفة، ولم يخلع قبله على أحد فيه، وحل المنطقة من وسطه، وخلع على ولده، وحل منطقته، وخلع على إخوته، واستمرّ تنفيذ الأمور إليه إلى أن استهل ذو الحجة، ففي يوم الجمعة ثانية، خلع عليه من الملابس الخاص في فرد كمّ مجلس اللعبة طوق ذهب مرصع، وسيف ذهب كذلك، وسلم على الخليفة، وتقدّم الأمر للأمراء، وكافة الأستاذين المحنكين بالخروج بين يديه، وأن يركب من المكان الذي كان الأفضل يركب منه، ومشى في ركابه القوّاد، على عادة من تقدّمه، وخرج بتشريف الوزارة، ودخل من باب العيد راكبا، ووصل إلى داره، فضاعف الرسوم، وأطلق الهبات.
فلما كان يوم الاثنين خامسه اجتمع الأمراء بين يدي الخليفة، وأحضر السجل في لفافة خاص مذهبة، فسلمه الخليفة له من يده فقبله، وسلمه لزمام القصر، فأمره الخليفة