للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العاص، استبقى أهل الإسكندرية، فلم يقتل ولم يسب، بل جعلهم ذمّة كأهل النوبة.

[ذكر ما كان من فعل المسلمين بالإسكندرية وانتقاض الروم]

قال ابن عبد الحكم: فأمّا الإسكندرية فلم يكن بها خطط، وإنما كانت أخائذ، من أخذ منزلا نزل فيه هو وبنو أبيه، وإنّ عمرو بن العاص، لما فتح الإسكندرية، أقبل هو وعبادة بن الصامت، حتى علوا الكوم الذي فيه مسجد عمرو بن العاص، فقال معاوية بن خديج: ننزل، فنزل عمرو القصر، ونزل أبو ذر منزلا كان غربيّ المصلى الذي عند مسجد عمرو، مما يلي البحر، وقد انهدم، ونزل معاوية بن خديج فوق التل، وضرب عبادة بن الصامت خباءه فلم يزل فيه حتى خرج من الإسكندرية.

ويقال: إنّ أبا الدرداء كان معه، والله أعلم. قال: فلما استقامت لهم البلاد قطع عمرو بن العاص من أصحابه لرباط الإسكندرية ربع الناس، وربعا في السواحل، والنصف مقيمون معه، وكان يصير بالإسكندرية خاصة الربع في الصيف، بقدر ستة أشهر، ويعقب بعدهم شاتية ستة أشهر، وكان لكل عريف قصر ينزل فيه بمن معه من أصحابه، واتخذوا فيه أخائذ.

وعن يزيد بن أبي حبيب: أن المسلمين لما سكنوا الإسكندرية في رباطهم، ثم قفلوا، ثم غزوا ابتدروا، فكان الرجل منهم يأتي المنزل الذي كان فيه صاحبه قبل ذلك، فيبتدره فيسكنه، فلما غزوا قال عمرو: إني أخاف أن تخرّبوا المنازل إذا كنتم تتعاورونها، فلما كان عند الكريون قال لهم: سيروا على بركة الله، فمن ركز منكم رمحه في دار فهي له، ولبني بنيه، فكان الرجل يدخل الدار، فيركز رمحه في منزل منها، ثم يأتي الآخر فيركز رمحه في بعض بيوت الدار، فكانت الدار تكون لقبيلتين وثلاث، وكانوا يسكنونها حتى إذا قفلوا سكنها الروم، وعليهم مرمّتها، وكان يزيد بن أبي حبيب يقول: لا يحلّ من كرائها شيء، ولا بيعها ولا يورث منها شيء، إنما كانت لهم يسنونها في رباطهم.

وعن يزيد بن أبي حبيب: أنّ عمرو بن العاص لما فتح الإسكندرية، ورأى بيوتها وبناءها مفروغا منها، همّ أن يسكنها، وقال: مساكن قد كفيناها، فكتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يستأذنه في ذلك، فسأل عمر الرسول: هل يحول بيني وبين المسلمين ماء؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين إذا جرى النيل، فكتب عمر إلى عمرو: إني لا أحب أن تنزل بالمسلمين منزلا يحول الماء بيني وبينهم شتاء ولا صيفا، فتحوّل عمرو بن العاص إلى الفسطاط، وقال: وكتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص، وهو نازل بمدائن كسرى، وإلى عامله بالبصرة، وإلى عمرو بن العاص، وهو نازل بالإسكندرية أن لا تجعلوا بيني وبينكم ماء، متى ما أردت أن أركب إليكم راحلتي حتى أقدم عليكم، قدمت، فتحوّل سعد بن أبي وقاص من مدائن كسرى إلى الكوفة، وتحوّل صاحب البصرة من

<<  <  ج: ص:  >  >>