عمر بن رسلان البلقينيّ، ودرسا للفقهار المالكية، وجعلت بها منبرا يخطب عليه يوم الجمعة، ورتبت لها إماما راتبا يقيم بالناس الصلوات الخمس، وجعلت بها خزانة كتب، وأنشأت بجوارها قبة من داخلها لتدفن تحتها، ورتبت بشباك هذه القبة عدّة قرّاء يتناوبون قراءة القرآن الكريم ليلا ونهارا، وأنشأت بها منارا عاليا من حجارة ليؤذن عليه، وجعلت بجوار المدرسة مكتبا للسبيل فيه عدّة من أيتام المسلمين، ولهم مؤدّب يعملهم القرآن الكريم، ويجري عليهم في كلّ يوم لكل منهم من الخبز النقيّ خمسة أرغفة، ومبلغ من الفلوس، ويقام لكل منهم بكسوتي الشتاء والصيف، وجعلت على هذه الجهات عدّة أوقاف جليلة يصرف منها لأرباب الوظائف المعاليم السنية، وكان يفرّق فيهم كل سنة أيام عيد الفطر الكعك والخشكنانك، وفي عيد الأضحى اللحم، وفي شهر رمضان يطبخ لهم الطعام، وقد بطل ذلك ولم يبق غير المعلوم في كل شهر، وهي من المدارس الكبسة، وعهدي بها محترمة إلى الغاية يجلس عدّة من الطواشية، ولا يمكنون أحدا من عبور القبة التي فيها قبر خوند الحجازية إلّا القرّاء فقط وقت قراءتهم خاصة. واتفق مرّة أن شخصا من القرّاء كان في نفسه شيء من أحد رفقائه، فأتى إلى كبير الطواشية بهذه القبة وقال له: أن فلانا دخل اليوم إلى القبة وهو بغير سراويل، فغضب الطواشي من هذا القول وعدّ ذلك ذنبا عظيما وفعلا محذورا، وطلب ذلك المقرئ وأمر به فضرب بين يديه وصار يقول له: تدخل على خوند بغير سراويل، وهمّ بإخراجه من وظيفة القراءة لولا ما حصل من شفاعة الناس فيه، وكان لا يلي نظر هذه المدرسة إلّا الأمراء الأكابر، ثم صار يليها الخدّام وغيرهم، وكان إنشاؤها في سنة احدى وستين وسبعمائة، ولما ولي الأمير جمال الدين يوسف البحاسيّ وظيفة أستادارية السلطان الملك الناصر فرج بن برقوق، وعمر بجانب هذه المدرسة البحاسيّ وظيفة أستادارية السلطان الملك الناصر فرج بن برقوقو، وعمر بجانب هذه المدرسة داره، ثم مدرسته، صار يحبس في المدرسة الحجازية من يصادره أو يعاقبه حتى امتلأت بالمسجونين والأعوان المرسمين عليهم، فزالت تلك الأبهة وذهب ذلك الناموس، واقتدى بجمال الدين من سكن بعده من الأستادارية في داره، وجعلوا هذه المرسة سجنا، ومع ذلك فهي من أبهج مدارس القاهرة إلى الآن.
[المدرسة الطيبرسية]
هذه المدرسة بجوار الجامع الأزهر من القاهرة، وهي غريبة مما يلي الجهة البحرية، أنشأها الأمير علاء الدين طيبرس الخازنداريّ نقيب الجيوش، وجعلها مسجدا لله تعالى زيادة في الجامع الأزهر، وقرّر بها درسا للفقهاء الشافعية، وأنشأ بجوارها ميضأة وحوض ماء سبيل ترده الدواب، وتأنق في رخامها وتذهيب سقوفها حتى جاءت في أبدع زي وأحسن قالب وأبهج ترتيب، لما فيها من إتقان العمل وجودة الصناعة بحيث أنه لم يقدر أحد على محاكاة ما فيها من صناعة الرخام، فان جميعه أشكال المحاريب، وبلغت النفقة عليها جملة كثيرة، وانتهت عمارتها في سنة تسع وسبعمائة، ولها بسط تفرش في يوم الجمعة كلها