عليه، وباب القرافة ميدانا واحدا تتسابق فيه الأمراء والأجناد، ويجتمع الناس هنالك للتفرّج على السباق، فتصير الأمراء تسابق على حدة، والأجناد تسابق في جهة وهم منفردون عن الأمراء، والشرط في السباق من تربة الأمير بيدرا إلى باب القرافة، ثم استجدّ أمراء دولة الناصر محمد بن قلاون في هذه الجهة الترب، فبنى الأمير يلبغا التركمانيّ، والأمير طقتمر الدمشقيّ، والأمير قوصون وغيرهم من الأمراء، وتبعهم الجند وسائر الناس، فبنوا الترب والخوانك والأسواق والطواحين والحمامات، حتى صارت العمارة من بركة الحبش إلى باب القرافة، ومن حدّ مساكن مصر إلى الجبل، وانقسمت الطرق في القرافة وتعدّدت بها الشوارع، ورغب كثير من الناس في سكناها العظم القصور التي أنشأت بها، وسميت بالترب، ولكثرة تعاهد أصحاب الترب لها وتواتر صدقاتهم ومبرّاتهم لأهل القرافة، وقد صنف الناس فيمن قبر بالقرافة، وأكثروا من التأليف في ذلك، ولست بصدد شيء مما صنفوا في ذلك، وإنما غرضي أن أذكر ما تشتمل عليه القرافة. وفي سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة ظهر بالقرافة شيء يقال له القطربة، تنزل من جبل المقطم، فاختطفت جماعة من أولاد سكانها حتى رحل أكثرهم خوفا منها، وكان شخص من أهل كبارة مصر يعرف بحميد الفوّال خرج من أطفيح على حماره، فلما وصل إلى حلوان عشاء رأى امرأة جالسة على الطريق فشكت إليه ضعفا وعجزا، فحملها خلفه فلم يشعر بالحمار إلّا وقد سقط، فنظر إلى المرأة فإذا بها قد أخرجت جوف الحمار بمخاليبها، ففرّ وهو يعدو إلى والي مصر وذكر له الخبر، فخرج بجماعته إلى الموضع فوجد الدابة قد أكل جوفها، ثم صارت بعد ذلك تتبع الموتى بالقرافة وتنبش قبورهم وتأكل أجوافهم وتتركهم مطروحين، فامتنع الناس من الدفن في القرافة زمنا حتى انقطعت تلك الصورة.
[ذكر المساجد الشهيرة بالقرافة الكبيرة]
اعلم أن القرافة بمصر اسم لموضعين، القرافة الكبيرة حيث الجامع الذي يقال له جامع الأولياء، والقرافة الصغيرة وبها قبر الإمام الشافعيّ، وكانتا في أوّل الأمر خطتين لقبيلة من اليمن هم من المغافر بن يغفر، يقال لهم بنو قرافة. ثم صارت القرافة الكبيرة جبانة، وهي حيث مصلّى خولان والبقعة وما هو حول جامع الأولياء، فإنه كان يشتمل على مساجد وربط وسوق وعدّة مساكن، منها ما خرب ومنها ما هو باق، وسترى من ذلك ما يتيسر ذكره.
[مسجد الأقدام]
هذا المسجد بالقرافة بخط المغافر. قال القضاعيّ: ذكر الكنديّ أن الجند بنوع وليس من الخطط، وسمي بالأقدام لأنّ مروان بن الحكم لما دخل مصر وصالح أهلها وبايعوه، امتنع من بيعته ثمانون رجلا من المغافر سوى غيرهم، وقالوا لا ننكث بيعة ابن الزبير، فأمر