كان برأس الجسر وثب عليه قوم من النزارية قد كمنوا له في فرن تجاه رأس الجسر بالروضة، وضربوه بالسكاكين حتى أثخنوه وجرحوا جماعة من خدّامه، فحمل إلى منظرة اللؤلؤة بشاطئ الخليج وقد مات.
[ذكر قلعة الروضة]
اعلم أنه ما برحت جزيرة الروضة منتزها ملوكيا ومسكنا للناس كما تقدّم ذكره، إلى أن ولي الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل محمد بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب سلطنة مصر، فأنشأ القلعة بالروضة، فعرفت بقلعة المقياس، وبقلعة الروضة، وبقلعة الجزيرة، وبالقلعة الصالحية، وشرع في حفر أساسها يوم الأربعاء خامس شعبان، وابتدأ بنيانها في آخر الساعة الثالثة من يوم الجمعة سادس عشرة، وفي عاشر ذي القعدة وقع الهدم في الدور والقصور والمساجد التي كانت بجزيرة الروضة، وتحوّل الناس من مساكنهم التي كانوا بها، وهدم كنيسة كانت لليعاقبة بجانب المقياس وأدخلها في القلعة، وأنفق في عمارتها أموالا جمة، وبنى فيها الدور والقصور، وعمل لها ستين برجا، وبنى بها جامعا، وغرس بها جميع الأشجار، ونقل إليها عمد الصوّان من البرابي وعمد الرخام، وشحنها بالأسلحة وآلات الحرب، وما يحتاج إليه من الغلال والأزواد والأقوات، خشية من محاصرة الفرنج، فإنهم كانوا حينئذ على عزم قصد بلاد مصر، وبالغ في إتقانها مبالغة عظيمة، حتى قيل أنه استقام كل حجر فيها بدينار، وكل طوبة بدرهم، وكان الملك الصالح يقف بنفسه ويرتب ما يعمل، فصارت تدهش من كثرة زخرفتها، وتحير الناظر إليها من حسن سقوفها المزينة، وبديع رخامها.
ويقال أنه قطع من الموضع الذي أنشأ فيه هذه القلعة ألف نخلة مثمرة، كان رطبها يهدي إلى ملوك مصر لحسن منظره وطيب طعمه، وخرّب الهودج والبستان المختار وهدّم ثلاثة وثلاثين مسجدا عمرها خلفاء مصر وسراة المصريين لذكر الله تعالى وإقامة الصلوات، واتفق له في عدم بعض هذه المسجد خبر غريب، قال الحافظ جمال الدين يوسف بن أحمد بن محمود بن أحمد الأسدي، الشهير باليغموري: سمعت الأمير الكبير الجواد جمال الدين أبا الفتح موسى بن الأمير شرف الدين يغمور بن جلدك بن عبد الله قال: ومن عجيب ما شاهدته من الملك الصالح أبي الفتوح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل رحمه الله تعالى أنه أمرني أن أهدم مسجدا كان في جوار داره بجزيرة مصر، فأخرت ذلك وكرهت أن يكون هدمه على يديّ، فأعاد الأمر وأنا أكاسر عنه، وكأنه فهم مني ذلك، فاستدعى بعض خدمه من نوّابي وأنا غائب وأمره أن يهدم ذلك المسجد، وأنيبني في مكانه قاعة، وقدّر له صفتها، فهدم ذلك المسجد وعمر تلك القاعة مكانه، وكملت، وقدمت الفرنج إلى الديار المصرية، وخرج الملك الصالح مع عساكره إليهم، ولم يدخل تلك القاعة التي بنيت في