إلا الأكسية نعمل بمصر من صوفها المرعز العسليّ العين المصبوغ، فعمل له منها عدد، فما احتاج منها إلا إلى واحد، ولهم طراز القيس، والبهنسا في الستور والمضارب يعرفون به، ومنه طراز أهل الدنيا.
وظهر بها بالقرب من البهنسا، سرب في أيام السلطان، الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب، فأمر متولي البهنساوية بكشفه، فجمع له أهل المعرفة بالعوم والغطس، فكانوا ما ينيف على مائتي رجل ما فيهم إلا من نزل السرب، فلم يجد له قرارا، ولا جوانب، فأمر بعمل مركب طويل رقيق بحيث يمكن إدخاله من رأس السرب، وشحنه بالأزراد والرجال، وركب فيه حبالا مربوطة في خوازيق عند رأس السرب، وحمل مع الرجال آلات يعرفون بها أوقات الليل والنهار، وعدّة شموع وغيرها، مما تستخرج به النار وتشعل به، وأمرهم أن يسلكوا بالمركب في السرب حتى ينفد نصف ما معهم من الزاد، فساروا بالمركب في ظلمة، وهم يرخون الحبال، ولا يجدون لما هم سائرون فيه من الماء جوانب، فما زالوا حتى قلت أزوادهم، فأبطلوا حركة المركب بالمجاذيف إلى داخل السرب، وجرّوا الحبال ليرجعوا إلى حيث دخلوا، حتى انتهوا إلى رأس السرب، فكانت مدّة غيبتهم في السرب، ستة أيام أربعة منها دخولا إلى جوفه وتطواف جوانبه، ويومان رجوعا إلى رأس السرب، ولم يقفوا في هذه المدّة على نهاية السرب، فكتب بذلك الأمير علاء الدين الطنبغا والي البهنسا إلى الملك الكامل، فتعجب عجبا كثيرا، واشتغل عن ذلك بمحاربة الفرنج على دمياط، فلما رحلوا عن دمياط، وعادوا إلى القاهرة، خرج بعد ذلك حتى شاهد السرب المذكور.
[ذكر دروط بلهاسة]
اعلم أن: دروط وهي: بفتح الدال المهملة وضم الراء وسكون الواو وطاء، اسم لثلاث قرى: دروط أشموم من الأشمونين، ودروط سريان، من الأشمونين أيضا، ودروط بلهاسة من ناحية البهنسا بالصعيد، وبها جامع أنشأه زياد بن المغيرة بن زياد بن عمرو العتكيّ، ومات في المحرّم سنة إحدى وتسعين ومائة، فدفن به، وقال فيه الشاعر:
حلف الجود حلفه برّ فيها ... ما برا الله واحدا كزياد
كان غيثا لمصر إذ كان حيا ... وأمانا من السنين الشداد
ومات أخوه إبراهيم بن المغيرة سنة سبع وتسعين ومائة فقال الشاعر فيه:
ابن المغيرة إبراهيم من ذهب ... يزداد حسنا على طول الدهارير «١»
لو كان يملك ما في الأرض عجله ... إلى العفاة ولم يهمم بتأخير