وكان بجوار هذا القصر الكبير الشرقيّ تجاه رحبة باب العيد، دار الوزارة الكبرى، ويقال لها: الدار الأفضلية والدار السلطانية.
قال ابن عبد الظاهر: دار الوزارة بناها: بدر الجماليّ أمير الجيوش، ثم لم يزل يسكنها من يلي إمرة الجيوش إلى أن انتقل الأمر عن المصريين، وصار إلى بني أيوب، فاستقرّ سكن الملك الكامل بقلعة الجبل خارج القاهرة، وسكنها السلطان الملك الصالح ولده، ثم أرصدت دار الوزارة لمن يرد من الملوك، ورسل الخليفة إلى هذا الوقت، وكانت دار الوزارة قديما تعرف بدار القباب، وأضافها الأفضل إلى دور بني هريسة، وعمرها دارا وسماها دار الوزارة، انتهى.
والذي تدل عليه كتب ابتياعات الأملاك القديمة التي بتلك الخطة أنها من بناء الأفضل، لا من عمارة أبيه بدر، والدار التي عمرها أمير الجيوش بدر هي داره: بحارة برجوان التي قيل لها دار المظفر، وما زال وزراء الدولة الفاطمية أرباب السيوف من عهد الأفضل بن أمير الجيوش يسكنون بدار الوزارة هذه إلى أن زالت الدولة فاستقرّ بها السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، وابنه من بعده: الملك العزيز عثمان، ثم ابنه الملك المنصور، ثم الملك العادل أبو بكر بن أيوب، ثم ابنه الملك الكامل، وصاروا يسمونها الدار السلطانية، وأوّل من انتقل عنها من الملوك، وسكن بالقلعة الملك الكامل ناصر الدين محمد ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب، وجعلها منزلا للرسل، فلما ولي قطز سلطنة ديار مصر، وتلقب بالملك العادل في سنة سبع وخمسين وستمائة، وحضر إليه البحرية وفيهم بيبرس البندقداريّ، وقلاون الألفيّ من الشام، خرج الملك العادل قطز إلى لقائهم، وأنزل الأمير ركن الدين بيبرس بدار الوزارة، فلم يزل بها، حتى سافر صحبة قطز إلى الشام، وقتله وعاد إلى مصر فتسلطن، وسكن بقلعة الجبل. وفي سنة ثلاث وتسعين وستمائة، لما قتل الأشرف خليل بن قلاون في واقعة بيدرا «١» ، ثم قتل بيدرا، وأجلس الملك الناصر محمد علي تخت الملك، وثارت الأشرفية من المماليك على الأمراء، وقتل من قتل منهم، خاف بقية الأمراء من شرّ المماليك الأشرفية، فقبض منهم على نحو الستمائة مملوك، وأنزل بهم من القلعة، وأسكن منهم نحو: الثلاثمائة بدار الوزارة، وأسكن منهم كثير في مناظر الكبش، وأجريت عليهم الرواتب، ومنعوا من الركوب إلى أن كان من أمرهم ما هو مذكور في موضعه من هذا الكتاب.