والذي يسلم منهم يدخل إلى عيذاب، كأنه نشر من كفن، قد استحالت هيئاتهم وتغيرت صفاتهم، وأكثر هلاك الحجاج بهذه المراسي، ومنهم من يساعده الريح فتحطه بمرسى عيذاب، وهو الأقل وجلباتهم التي تحمل الحجاج في البحر لا يستعمل فيها مسمار البتة، إنما يخيط خشبها بالقنبار، وهو متخذ من شجر النارجيل، ويخللونها بدسر من عيدان النخل، ثم يسقونها بسمن أو دهن الخروع أو دهن القرش، وهو حوت عظيم في البحر، يبتلع الغرقى وقلاع هذه الجلاب من خوص شجر المقل.
ولأهل عيذاب في الحجاج أحكام الطواغيت فإنهم يبالغون في شحن الجلبة بالناس حتى يبقى بعضهم فوق بعض حرصا على الأجرة، ولا يبالون بما يصيب الناس في البحر، بل يقولون دائما علينا بالألواح، وعلى الحجاج بالأرواح، وأهل عيذاب من البجاة.
ولهم ملك منهم، وبها وال من قبل سلطان مصر، وأدركت قاضيها عندنا بالقاهرة، أسود اللون، والبجاة قوم لا دين لهم، ولا عقل، ورجالهم ونساؤهم أبدا عراة، وعلى عوراتهم خرق، وكثير منهم لا يسترون عوراتهم، وعيذاب حرّها شديد بسموم محرق.
[ذكر مدينة الأقصر]
هذه المدينة من مدائن الصعيد العظيمة، يقال: إنّ أهلها المريس، ومنها: الحمير المريسية.
ذكر البلينا «١»
هذه «٢» وذكر الكمال الأدفويّ: أنه وقع بين أهل البلاد، ووالي قوص، فتوجهوا إلى القاهرة وصرفوه، وولي غيره وطلع الخطيب بالبلينا صحبته، وكان إقطاعه أرمنت، فلما وصل إليها أضافه أهلها، بستين منسفا من طعام اللبن، فقال للخطيب: في بلادكم مثل هذا؟
فقال الخطيب: وحلوى، فلما وصل إلى أخميم، تقدّم الخطيب إلى البلينا، فعند ما وصل الوالي إليها، أخرجوا له ستين منسفا حلوى، وستين منسفا شواء، قال: وبعض الحكام بها في عيد من الأعياد، امتدحه من أهلها خمسة وعشرون شاعرا، وفيها من لا يرضى بمدح القاضي، وفيها من تقصر رتبته عن ذلك، قال: وكان عدّة مسابك للسكر، ويوصف أهلها بالمكارم.