هنيئا فإنّ السعد جاء مخلدا ... وقد أنجز الرحمن بالنصر موعدا
حبانا إله الخلق فتحا لنا بدا ... مبينا وإنعاما وعزا مؤبدا
تهلل وجه الأرض بعد قطوبه ... وأصبح وجه الشرك بالظلم أسودا
ولما طغى البحر الخضمّ بأهله ال ... طغاة وأضحى بالمراكب مزبدا
أقام لهذا الدين من سلّ عزمه ... صقيلا كما سلّ الحسام المهندا
فلم ينج إلا كل شلو مجدّل ... ثوى منهم أو من تراه مقيدا
ونادى لسان الكون في الأرض رافعا ... عقيرته في الخافقين ومنشدا
أعباد عيسى إنّ عيسى وحزبه ... وموسى جميعا ينصران محمدا
فكانت هذه الليلة بالمنصورة، من أحسن ليلة مرّت لملك من الملوك، وكان عند إنشاده يشير إذا قال عيسى إلى عيسى المعظم، وإذا قال موسى إلى موسى الأشرف، وإذا قال محمدا إلى السلطان الملك الكامل، وقد قيل: إنّ الذي أنشد هذه الأبيات إنما هو راجح المحلي الشاعر.
العباسة «١»
هذه القرية فيما بين بلبيس والصالحية، من أرض السدير لم يزل منتزها لملوك مصر، وبها ولد العباس بن أحمد بن طولون، فسماه لذلك أبوه العباس، وولد بها أيضا الملك الأمجد تقيّ الدين عباس بن العادل أبي بكر بن أيوب، وكان الملك الكامل محمد بن العادل يقيم بها كثيرا، ويقول: هذه تعلو مصر إذا أقمت بها أصطاد الطير من السماء، والسمك من الماء، والوحش من الفضاء، ويصل الخبز من قلعة الجبل إليّ بها في قلعتي، وهو سخن، وبنى بها آدرا ومناظر وبساتين، وبنى أمراؤه بها أيضا عدّة مساكن في البساتين، ولم تزل العباسة على ذلك حتى أنشأ الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل، المنزلة الصالحية، فتلاشى حينئذ أمر العباسة، وخربت المناظر في سلطنة الملك المعز أيبك.
فلما كانت سلطنة الملك الظاهر ركن الدين بيبرس، مرّ على السدير، وهو فم الوادي، فأعجب به وبنى في موضع اختاره منه قرية سماها الظاهرية، وأنشأ بها جامعا، وذلك في سنة ست وستين وستمائة.
وسميت: بالعباسة بنت أحمد بن طولون، فإنها خرجت إلى هذا الموضع مودّعة لبنت أخيها، قطر الندى بنت خمارويه بن أحمد بن طولون، لما حملت إلى المعتضد، وضربت