خارج باب النصر حتى انتهت عمارة هذه المدرسة، فنقل إليها ودفن فيها.
وإينال هذا ولي نيابة حلب وصار في آخر عمره أتابك العساكر بديار مصر حتى مات، وكانت جنازته كثيرة الجمع مشى فيها السلطان الملك الظاهر برقوق والعساكر.
[مدرسة الأمير جمال الدين الأستادار]
هذه المدرسة برحبة باب العيد من القاهرة، كان موضعها قيسارية يعلوها طباق كلها وقف، فأخذها وهدمها وابتدأ بشق الأساس في يوم السبت خامس جمادى الأولى سنة عشر وثمانمائة، وجمع لها الآلات من الأحجار والأخشاب والرخام وغير ذلك، وكان بمدرسة الملك الأشرف شعبان بن حسين بن محمد بن قلاون التي كانت بالصوة تجاه الطبلخاناه من قلعة الجبل، بقية من داخلها، فيها شبابيك من نحاس مكفت بالذهب والفضة وأبواب مصفحة بالنحاس البديع الصنعة المكفت، ومن المصاحف والكتب في الحديث والفقه وغيره من أنواع العلوم جملة، فاشترى ذلك من الملك الصالح المنصور حاجي بن الأشرف بمبلغ ستمائة دينار، وكانت قيمتها عشرات أمثال ذلك، ونقلها إلى داره. وكان مما فيها عشرة مصاحف طول كل مصحف منها أربعة أشبار إلى خمسة في عرض يقرب من ذلك، أحدها بخط ياقوت، وآخر بخط ابن البوّاب، وباقيها بخطوط منسوبة، ولها جلود في غاية الحسن معمولة في أكياس الحرير الأطلس، ومن الكتب النفيسة عشرة أحمال جميعها مكتوب في أوّله الإشهاد على الملك الأشرف بوقف ذلك، ومقرّه في مدرسته.
فلما كان يوم الخميس ثالث شهر رجب سنة إحدى عشرة وثمانمائة وقد انتهت عمارتها، جمع بها الأمير جمال الدين القضاة والأعيان، وأجلس الشيخ همام الدين محمد بن أحمد الخوارزميّ الشافعيّ على سجادة المشيخة وعمله شيخ التصوّف، ومدرّس الشافعية، ومدّ سماطا جليلا أكل عليه كلّ من حضر، وملأ البركة التي توسط المدرسة ماء قد أذيب فيه سكر مزج بماء الليمون، وكان يوما مشهودا، وقرّ في تدريس الحنفية بدر الدين محمود بن محمد المعروف بالشيخ زاده الخرزيانيّ، وفي تدريس المالكية شمس الدين محمد بن البساطيّ، وفي تدريس الحنابلة فتح الدين أبا الفتح محمد بن نجم الدين محمد بن الباهليّ، وفي تدريس الحديث النبويّ شهاب الدين أحمد بن عليّ بن حجر، وفي تدريس التفسير شيخ الإسلام قاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن بن البلقينيّ. فكان يجلس من ذكرنا واحدا بعد واحد في كل يوم إلى أن كان آخرهم شيخ التفسير، وكان مسك الختام، وما منهم إلّا من يحضر معه ويلبسه ما يليق به من الملابس الفاخرة، وقرّر عند كلّ من المدرّسين الستة طائفة من الطلبة، وأجرى لكل واحد ثلاثة أرطال من الخبز في كل يوم، وثلاثين درهما فلوسا في كل شهر، وجعل لكل مدرّس ثلاثمائة درهم في كل شهر، ورتب بها إماما وقومة ومؤذنين وفرّاشين ومباشرين، وأكثر من وقف الدور عليها، وجعل فائض