الجسر من قليوب إلى دمياط: هذا الجسر أنشأه السلطان الملك المظفر ركن الدين بيبرس المنصوريّ، المعروف بالجاشنكير، في أخريات سنة ثمان وسبعمائة، وكان من خبره: أنه ورد القصاد بموافقة صاحب قبرس عدّة من ملوك الفرنج على غزو دمياط، وأنهم أخذوا ستين قطعة، فاجتمع الأمراء واتفقوا على إنشاء جسر من القاهرة إلى دمياط خوفا من حركة الفرنج في أيام النيل، فيتعذر الوصول إلى دمياط، وعين لعمل ذلك الأمير أقوش الورميّ الحساميّ، وكتب الأمراء إلى بلادهم بخروج الرجال والأبقار، ورسم للولاة بمساعدة أقوش، وأن يخرج كلّ وال إلى العمل برجال عمله وأبقارهم، فما وصل أقوش إلى ناحية فارسكور حتى وجد ولاة الأعمال قد حضروا بالرجال والأبقار، فرتب الأمور. فعمل فيه ثلاثمائة جرّافة بستمائة رأس بقر، وثلاثين ألف رجل، وأقام أقوش الحرمة، وكان عبوسا قليل الكلام مهابا إلى الغاية، فجدّ الناس في العمل لكثرة من ضربه بالمقارع، أو خزم أنفه، أو قطع أذنه، أو أخرق به، إلى أن فرغ في نحو شهر واحد، فجاء من قليوب إلى دمياط مسافة يومين في عرض أربع قصبات من أعلاه، وست قصبات من أسفله، ومشى عليه ستة رؤوس من الخيل صفا واحدا، فعمّ النفع به وسلك عليه المسافرون بعد ما كان يتعذر السلوك أيام النيل، لعموم الماء الأراضي. والله تعالى أعلم.
[وقد وجد بخط المصنف رحمه الله في أصله هنا ما صورته]
أمراء الغرب ببيروت بيت حشمة ومكارم، ومقامهم بجبال الغرب من بلاد بيروت، ولهم خدم على الناس وتفضيل، وهم ينسبون إلى الحسين بن إسحاق بن محمد التنوخيّ الذي مدحه أبو الطيب المتنبي بقوله:
سدوا بابن إسحاق الحسين فصافحت ... وقاربها كيزانها «١» والنّمارق»
ثم كان كرامة بن بجير بن عليّ بن إبراهيم بن الحسين بن إسحاق بن محمد التنوخيّ، فهاجر إلى الملك العادل نور الدين الشهيد محمود بن زنكي، فأقطعه الغرب وما معه بإمرته، فسمّي أمير الغرب، وكان منشوره بخط العماد الأصفهانيّ الكاتب، فتحضر الأمير كرامة بعد البداوة، وسكن حصن بلجمور من نواحي إقطاعه، ويعلو على تل أعمال بغير بناء، ثم أنشأ أولاده هناك حصنا وما زالوا به، وكان كرامة ثقيلا على صاحب بيروت، وذلك أيام الفرنج، فأراد أخذه مرارا فلم يجد إليه سبيلا، فأخذ في الحيلة عليه، وهادن أولاده وسألهم حتى نزلوا إلى الساحل وألفوا الصيد بالطير وغيره، فراسلهم حتى صار يصطاد معهم وأكرمهم وحباهم وكساهم، وما زال يستدرجهم مرّة بعد، مرّة، ثم أخرج ابنه معه وهو شاب وقال: