الحمد لله الذي عرّف وفهم، وعلم الإنسان ما لم يكن يعلم، وأسبغ على عباده نعما باطنة وظاهره، ووالى عليهم من مزيد آلائه مننا متظافرة متواترة، وبثهم في أرضه حينا يتقلبون، واستخلفهم في ماله فهم به يتنعمون، وهدى قوما إلى اقتناص شوارد المعارف والعلوم، وشوّقهم للتفنن في مسارح التدبر والركض بميادين الفهوم وأرشد قوما إلى الانقطاع من دون الخلق إليه، ووفقهم للاعتماد في كل أمر عليه وصرف آخرين عن كل مكرمة وفضيلة، وقيض لهم قرناء قادوهم إلى كل ذميمة من الأخلاق ورذيلة، وطبع على قلوب آخرين فلا يكادون يفقهون قولا، وثبطهم عن سبل الخيرات، فما استطاعوا قوّة ولا حولا، ثم حكم على الكل بالفناء ونقلهم جميعا من دار التمحيص والابتلاء إلى برزخ البيود والبلاء، وسيحشرهم أجمعين إلى دار الجزاء ليوفي كل عامل منهم عمله، ويسأله عما أعطاه وخوّله.
وعن موفقه بين يديه سبحانه وما أعدّ له لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. أحمده سبحانه حمد من علم أنه إله لا يعبد إلا إياه، ولا خالق للخلق سواه حمدا يقتضي المزيد من النعماء، ويوالي المنن بتجدّد الآلاء، وصلى الله على سيدنا محمد وعبده ورسوله ونبيه وخليله سيد البشر وأفضل من مضى وغبر الجامع لمحاسن الأخلاق والسير، والمستحق لاسم الكمال على الإطلاق من البشر الذي كان نبيا وآدم بين الماء والطين، ورقم اسمه من الأزل في عليين، ثم تنقل من الأصلاب الفاخرة الزكية إلى الأرحام الطاهرة المرضية حتى بعثه الله عزّ وجلّ إلى الخلائق أجمعين، وختم به الأنبياء والمرسلين وأعطاه ما لم يعط أحدا من العالمين وعلى آله وصحابته والتابعين وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
وبعد، فإنّ علم التاريخ من أجل العلوم قدرا، وأشرفها عند العقلاء مكانة وخطرا، لما يحويه من المواعظ والإنذار بالرحيل إلى الآخرة عن هذه الدار والاطلاع على مكارم الأخلاق ليقتدى بها، واستعلام مذامّ الفعال ليرغب عنها أولو النهي، لا جرم إن كانت الأنفس الفاضلة به وامقة والهمم العالية إليه مائلة وله عاشقة. وقد صنف فيه الأئمة كثيرا، وضمّن الأجلّة كتبهم منه شيئا كبيرا، وكانت مصر هي مسقط رأسي، وملعب أترابي ومجمع ناسي، ومغنى عشيرتي وحامتي، وموطن خاصتي وعامّتي، وجؤجؤي الذي ربى جناحي