والعام حتى الأمير بدر الدين بيلبك الخازندار نائب السلطنة، والصاحب بهاء الدين عليّ بن حنا، وملوك الأطراف، وكان يكتب إلى صاحب حماه وجميع الأمراء إذا طلب حاجة ما مثاله: الشيخ خضر نياك الحمارة، وكان ربع القامة كث اللحية يتعمم، عسراويّ وفي لسانه عجمة، مع سعة صدر وكرم شمائل وكثرة عطاء من تفرقة الذهب والفضة، وعمل الأسمطة الفاخرة، وكانت أحواله عجيبة لا تتكيف، وأقوال الناس فيه مختلفة، منهم من يثبت صلاحه ويعتقده، ومنهم من يرميه بالعظائم. وكان يخبر السلطان بأمور تقع، منها أنه لما حاصر أرسوف وهي أوّل فتوحاته، قال له: متى نأخذ هذه المدينة؟ فعين له يوما يأخذها فيه، فأخذها في ذلك اليوم بعينه، واتفق له مثل ذلك في فتح قيسارية، فلذلك كثر اعتقاده فيه، وما أحسن قول الشريف محمد بن رضوان الناسخ في ملازمة السلطان له أسفاره:
ما الظاهر السلطان إلّا مالك ال ... دنيا بذاك لنا الملاحم تخبر
ولنا دليل واضح كالشّمس في ... وسط السماء لكلّ عين تنظر
لما رأينا الخضر يقدم جيشه ... أبدا علمنا أنّه الإسكندر
وما برح على رتبته إلى ثامن عشر شوّال سنة إحدى وسبعين ستمائة، فقبض عليه واعتقل بقلعة الجبل ومنح الناس من الاجتماع به. ويقال أن ذلك بسبب أنّ السلطان كان أعطاه تحفا قدمت من اليمن، منها كرّ يمنيّ مليح إلى الغاية، فأعطاه خضر لبعض المردان، فبلغ ذلك الأمير بدر الدين الخازندار النائب، وكان قد ثقل عليه بكثرة تسلطه، حتى لقد قال له مرّة بحضرة السلطان: كأنك تشفق على السلطان وعلى أولاده مثل ما فعل قطز بأولاد المعز، فأسرّها في نفسه، وبلغ خبر الكرّ اليمنيّ إلى السلطان، فاستدعاه وحضر جماعة حاققوه على أمور كثيرة منكرة، كاللواط والزنا ونحوه، فاعتقله ورتب له ما يكفيه من مأكول وفاكهة وحلوى، ولما سافر السلطان إلى بلاد الروم قال خضر لبعض أصحابه إنّ السلطان يظهر على الروم ويرجع إلى دمشق فيموت بها بعد أن أموت أنا بعشرين يوما. فكان كذلك، ومات خضر في محبسه بقلعة الجبل في سادس المحرّم أو سابعه من سنة ست وسبعين وستمائة، وقد أناف على الخمسين، فسلّم إلى أهله وحملوه إلى زاويته هذه ودفنوه فيها، وكان السلطان قد كتب بالانفراج عنه، فقدم البريد بعد موته، ومات السلطان بدمشق في سابع عشري المحرّم المذكور بعد خضر بعشرين يوما، وهذه الزاوية باقية إلى اليوم.
[زاوية ابن منظور]
هذه الزاوية خارج القاهرة بخط الدكة بجوار المقس، عرفت بالشيخ جمال الدين محمد بن أحمد بن منظور بن يس بن خليفة بن عبد الرحمن أبو عبد الله الكتانيّ العسقلانيّ الشافعيّ الصوفيّ، الإمام الزاهد، كانت له معارف واتباع ومريدون ومعرفة بالحديث، حدّث عن أبي الفتوح الجلاليّ وروي عنه الدمياطيّ والدواداريّ وعدّة من الناس، ونظر في الفقه