القاهرة إلى بغداد وخرج منها ثانيا وأقام بدمشق مدّة، تعلم أهل دمشق من أصحابه التظاهر بها. وقدم إلى القاهرة شخص من ملاحدة العجم صنع الحشيشة بعسل، خلط فيها عدّة أجزاء مجففة، كعرف اللفاح ونحوه، وسمّاها العقدة وباعها بخفية، فشاع أكلها وفشا في كثير من الناس مدّة أعوام، فلما كان في سنة خمس عشرة وثمانمائة شنع التجاهر بالشجرة الملعونة، فظهر أمرها واشتهر أكلها وارتفع الاحتشام من الكلام بها، حتى لقد كادت أن تكون من تحف المترفين، وبهذا السبب غلبت السفالة على الأخلاق، وارتفع ستر الحياء والحشمة من بين الناس، وجهروا بالسوء من القول، وتفاخروا بالمعايب، وانحطوا عن كل شرف وفضيلة، وتحلوا بكل ذميمة من الأخلاق ورذيلة، فلولا الشكل لم تقض لهم بالإنسانية، ولولا الحس لما حكمت عليهم بالحيوانية، وقد بدأ المسخ في الشمائل والأخلاق المنذر بظهوره على الصور والذوات، عافانا الله تبارك وتعالى من بلائه، وأرض الطبالة الآن بيد ورثة الحاجب.
[ذكر أرض البعل والتاج]
قال ابن سيده: البعل، الأرض المرتفعة التي لا يصيبها المطر إلّا مرّة واحدة في السنة.
وقيل: البعل، كلّ شجر أو زرع لا يسقى. وقيل: البعل: ما سقته السماء، وقد استبعل الموضع.
والبعل: من النخل ما شرب بعروقه من غير سقي ولا ماء سماء. وقيل هو ما اكتفى بماء السماء، والبعل ما أعطي من الأتاوة على سقي النخل، واستبعل الموضع والنخل صار بعلا. وأرض البعل هذه بجانب الخليج، تتصل بأرض الطبالة، كانت بستانا يعرف بالبعل، وفيه منظرة أنشأه الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجماليّ، وجعل على هذا البستان سورا، وإلى جانب بستان البعل هذا بستان التاج، وبستان الخمس وجوه، وقد ذكرت مناظر هذه البساتين وما كان فيها للخلفاء الفاطميين من الرسوم عند ذكر المناظر من هذا الكتاب.
وأرض البعل في هذا الوقت مزرعة تجاه قنطرة الأوز التي على الخليج. يخرج الناس للتنزه هناك أيام النيل وأيام الربيع، وكذلك أرض التاج فإنها اليوم قد زالت منها الأشجار واستقرّت من أراضي المنية الخراجية، وفي أيام النيل ينبت فيها نبات يعرف بالبشنين، له ساق طويل وزهره شبه اللينوفر، وإذا أشرقت الشمس انفتح فصار منظرا أنيقا، وإذا غربت الشمس انضم. ويذكر أنّ من العصافير نوعا صغيرا يجلس العصفور منه في دار البشنينة، فإذا أقبل الليل انضمت عليه وغطست في الماء فبات في جوفها آمنا إلى أن تشرق الشمس، فتصعد البشنينة وتنفتح فيطير العصفور، وهو شيء ما برحنا نسمعه. وهذا البشنين يصنع من زهره دهن يعالج به في البرسام وترطيب الدماغ فينجع، وأصله يعرف بالبيارون، يجمعه الأعراب ويأكلونه نيئا ومطبوخا، وهو يميل إلى الحرارة يسيرا، ويزيد في الباه، ويسخّن المعدة ويقوّيها، ويقطع الزحير، ذكر ذلك ابن البيطار في كتاب المفردات، وفي أيام الربيع