فوهته، ثم يكون له بلل دون المكان المندي ثم يجري جريا ضعيفا دون مكان البلل، ثم يستقل نهرا جاريا لا يقطع إلا بالسفن، ويتشعب منه أنهار وينقسم قسما يعمّ الفيوم ويسقي قراه ومزارعه وبساتينه وعامّة أماكنه، والله أعلم.
(خليج القاهرة) : هذا الخليج بظاهر القاهرة من جانبها الغربي فيما بينها وبين المقس عرف في أوّل الإسلام: بخليج أمير المؤمنين، وتسميه العامّة اليوم: بخليج الحاكمي، وبخليج اللؤلؤة، وهو خليج قديم أوّل من حفره طوطيس بن ماليا أحد ملوك مصر الذين سكنوا مدينة منف، وهو الذي قدم إبراهيم الخليل صلوات الله عليه في أيامه إلى مصر، وأخذ منه امرأته سارة، وأخدمها هاجر أم إسماعيل صلوات الله عليهما؛ فلما أخرجها إبراهيم هي وابنها إسماعيل إلى مكة بعثت إلى طوطيس تعرّفه أنها بمكان جدب وتستغيثه، فأمر بحفر هذا الخليج، وبعث إليها فيه بالسفن تحمل الحنطة وغيرها إلى جدّة، فأحيا بلد الحجاز، ثم إن أندرومانوس الذي يعرف: بإيليا أحد ملوك الروم بعد الإسكندر بن فيلبس المقدوني، جدّد حفر هذا الخليج، وسارت فيه السفن، وذلك قبل الهجرة النبوية بنيف وأربعمائة سنة. ثم إن عمرو بن العاص رضي الله عنه، جدد حفره لما فتح مصر وأقام في حفره ستة أشهر، وجرت فيه السفن بحمل الميرة إلى الحجاز فسمي: خليج أمير المؤمنين، يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فإنه هو الذي أشار بحفره، ولم تزل تجري فيه السفن من فسطاط مصر إلى مدينة القلزم التي كانت على حافة البحر الشرقي حيث الموضع الذي يعرف اليوم على البحر: بالسويس، وكان يصب ماء النيل في البحر من عند مدينة القلزم إلى أن أمر الخليفة أبو جعفر المنصور بطمه في سنة خمسين ومائة، فطم وبقي منه ما هو موجود الآن، وسيأتي الكلام عليه مبسوطا إن شاء الله تعالى عند ذكر ظواهر القاهرة من هذا الكتاب.
(بحر أبي المنجا)«١» : هذا الخليج تسميه العامّة: بحر أبي المنجا الذي حفره:
الأفضل بن أمير الجيوش في سنة ست وخمس مائة، وكان على حفره أبو المنجا بن شعيا اليهودي. فعرف به، وقد ذكر خبر هذا الخليج عند ذكر مناظر الخلفاء، ومواضع نزههم من هذا الكتاب.
(الخليج الناصري) : هذا الخليج في ظاهر المقس، حفره: الناصر محمد بن قلاوون في سنة خمس وعشرين وسبعمائة، وقد ذكر في موضعه من هذا الكتاب.
ذكر ما كانت عليه أرض مصر في الزمن الأوّل
قال المسعوديّ: وقد كانت أرض مصر على ما زعم أهل الخبرة والعناية، بأخبار شأن