إسماعيل الأشعريّ، تلميذ أبي علي الجبائيّ، وشرط ذلك في أوقافه التي بديار مصر، كالمدرسة الناصرية بجوار قبر الإمام الشافعيّ من القرافة، والمدرسة الناصرية التي عرفت بالشريفية بجوار جامع عمرو بن العاص بمصر، والمدرسة المعروفة بالقمحية بمصر، وخانكاه سعيد السعداء بالقاهرة. فاستمرّ الحال على عقيدة الأشعريّ بديار مصر وبلاد الشام وأرض الحجاز واليمن وبلاد المغرب أيضا، لإدخال محمد بن تومرت رأي الأشعريّ إليها، حتى أنه صار هذا الاعتقاد بسائر هذه البلاد، بحيث أن من خالفه ضرب عنقه، والأمر على ذلك إلى اليوم، ولم يكن في الدولة الأيوبية بمصر كثير ذكر لمذهب أبي حنيفة وأحمد بن حنبل، ثم اشتهر مذهب أبي حنيفة وأحمد بن حنبل في آخرها.
فلما كانت سلطنة الملك الظاهر بيبرس البندقداريّ، ولي بمصر والقاهرة أربعة قضاة، وهم شافعيّ ومالكيّ وحنفيّ وحنبليّ. فاستمرّ ذلك من سنة خمس وستين وستمائة، حتى لم يبق في مجموع أمصار الإسلام مذهب يعرف من مذاهب أهل الإسلام سوى هذه المذاهب الأربعة، وعقيدة الأشعريّ، وعملت لأهلها المدارس والخوانك والزوايا والربط في سائر ممالك الإسلام، وعودي من تمذهب بغيرها، وأنكر عليه، ولم يولّ قاض ولا قبلت شهادة أحد ولا قدّم للخطابة والإمامة والتدريس أحد ما لم يكن مقلدا لأحد هذه المذاهب، وأفتى فقهاء هذه الأمصار في طول هذه المدّة بوجوب اتباع هذه المذاهب وتحريم ما عداها، والعمل على هذا إلى اليوم، وإذ قد بينا الحال في سبب اختلاف الأمّة منذ توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أن استقرّ العمل على مذهب مالك والشافعيّ وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل، رحمة الله عليهم، فلنذكر اختلاف عقائد أهل الإسلام منذ كان إلى أن التزم الناس عقيدة الشيخ أبي الحسن الأشعريّ رحمه الله ورضي عنه.
[ذكر فرق الخليقة واختلاف عقائدها وتباينها]
اعلم أن الذين تكلموا في أصول الديانات قسمان، هما من خالف ملة الإسلام، ومن أقرّ بها. فأما المخالفون لملة الإسلام فهم عشر طوائف: الأولى الدهرية، والثانية أصحاب العناصر. والثالثة الثنوية: وهم المجوس، ويقولون بأصلين هما النور والظلمة، ويزعمون أن النور هو يزدان، والظلمة هو أهرمن، ويقرّون بنبوّة إبراهيم عليه السّلام، وهم ثمان فرق: الكيومرتية أصحاب كيومرت الذي يقال أنه آدم. والزروانية أصحاب زروان الكبير، والزرادشتية أصحاب زراداشت بن بيورشت الحكيم، والثنوية أصحاب الاثنين الأزليين.
والمانوية أصحاب ماني الحكيم. والمزركية أصحاب مزرك الخارجي. والبيصانية أصحاب بيصان القائل بالأصلين القديمين. والفرقونية القائلون بالأصلين. وأنّ الشرّ خرج على أبيه وأنه تولد من فكرة فكرها في نفسه، فلما خرج على أبيه الذي هو الإله بزعمهم عجز عنه،