للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السلف ويعرّض بالناس، فقريء سجل في القصر بالترحم على السلف من الصحابة، والنهي عن الخوض في ذلك، وركب مرّة فرأى لوحا على قيسارية فيه سب السلف فأنكره، وما زال واقفا حتى قلع وضرب بالحرس في سائر طرقات مصر والقاهرة، وقريء سجل بتتبع الألواح المنصوبة على سائر أبواب القياسر والحوانيت والدور والخانات والأرباع المشتملة على ذكر الصحابة والسلف الصالح، رحمهم الله، بالسب واللعن، وقلع ذلك وكسره وتعفية أثره، ومحو ما على الحيطان من هذه الكتابة، وإزالة جميعها من سائر الجهات حتى لا يرى لها أثر في جدار ولا نقش في لوح، وحذّر فيه من المخالفة، وهدّد بالعقوبة، ثم انتقض ذلك كله وعاد الأمر إلى ما كان عليه إلى أن قتل الخليفة الآمر بأحكام الله أبو عليّ منصور بن المستعلي بالله أبي القاسم أحمد بن المستنصر بالله أبي تميم معدّ.

وثار أبو عليّ أحمد الملقب كتيفات ابن الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش، واستولى على الوزارة في شنة أربع وعشرين وخمسمائة، وسجن الحافظ لدين الله أبا الميمون عبد المجيد بن الأمير أبي القاسم محمد بن الخليفة المستنصر بالله، وأعلن بمذهب الإمامية والدعوة للإمام المنتظر، وضرب دراهم نقشها: الله الصمد الإمام محمد. ورتب في سنة خمس وعشرين أربعة قضاة، اثنان أحدهما إماميّ والآخر إسماعيليّ، واثنان أحدهما مالكيّ والآخر شافعيّ، فحكم كل منهما بمذهبه وورّث على مقتضاه، وأسقط ذكر إسماعيل بن جعفر الصادق وأبطل من الأذان حيّ على خير العمل، وقولهم محمد وعليّ خير البشر، فلما قتل في المحرّم سنة ست وعشرين عاد الأمر إلى ما كان عليه من مذهب الإسماعيلية.

وما برح حتى قدمت عساكر الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي من دمشق، عليها أسد الدين شيركوه، وولى وزارة مصر للخليفة العاضد لدين الله أبي محمد عبد الله بن الأمير يوسف بن الحافظ لدين الله، ومات، فقام في الوزارة بعده ابن أخيه السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب في جمادى الآخرة سنة أربع وستين وخمسمائة، وشرع في تغيير الدولة وإزالتها، وحجر على العاضد وأوقع بأمراء الدولة وعساكرها، وأنشأ بمدينة مصر مدرسة للفقهاء الشافعية، ومدرسة للفقهاء المالكية، وصرف قضاة مصر الشيعة كلهم، وفوّض القضاء لصدر الدين عبد الملك بن درباس المارانيّ الشافعيّ، فلم يستنب عنه في إقليم مصر إلّا من كان شافعيّ المذهب، فتظاهر الناس من حينئذ بمذهب مالك والشافعيّ، واختفى مذهب الشيعة والإسماعيلية والإمامية حتى فقد من أرض مصر كلها، وكذلك كان السلطان الملك العادل نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي بن آق سنقر حنيفا فيه تعصب، فنشر مذهب أبي حنيفة رحمه الله ببلاد الشام، ومنه كثرت الحنفية بمصر، وقدم إليها أيضا عدّة من بلاد الشرق، وبنى لهم السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب المدرسة السيوفية بالقاهرة، وما زال مذهبهم ينتشر ويقوى وفقهاؤهم تكثر بمصر والشام من حينئذ.

وأما العقائد فإن السلطان صلاح الدين حمل الكافة على عقيدة الشيخ أبي الحسن عليّ بن

<<  <  ج: ص:  >  >>