ومعي مماليكي كلهم وجميع أموالي، فلم يوافقه السلطان على ذلك، وبات الفريقان على الحرب، فانسلّ أكثر مماليك الجاي في الليل إلى السلطان، وعند ما طلع النهار يوم الخميس بعث السلطان عساكره لمحاربة الجاي بقبة النصر، فلم يقاتلهم وولى منهزما والطلب وراءه إلى ناحية الخرقانية بشاطئ النيل، قريبا من قليوب، فتحير وقد أدركه العسكر، فألقى نفسه بفرسه في البحر يريد النجاة إلى البرّ الغربيّ فغرق بفرسه. ثم خلص الفرس وهلك الجاي، فوقع النداء بالقاهرة وظواهرها على إحضار مماليكه، فأمسك منهم جماعة وبعث السلطان الغطاسين إلى البحر تتطلبه فتبعوه حتى أخرجوه إلى البرّ في يوم الجمعة تاسع المحرّم سنة خمس وسبعين وسبعمائة، فحمل في تابوت على لباد أحمر إلى مدرسته هذه وغسل وكفن ودفن بها، وكان مهابا جبارا عسوفا عتيا، تحدّث في الأوقاف فشدّد على الفقهاء وأهان جماعة منهم، وكان معروفا بالإقدام والشجاعة.
مدرسة أمّ السلطان
هذه المدرسة خارج باب زويلة بالقرب من قلعة الجبل، يعرف خطها الآن بالتبانة، وموضعها كان قديما مقبرة لأهل القاهرة، أنشأتها الست الجليلة الكبرى بركة أمّ السلطان الملك الأشرف شعبان بن حسين في سنة إحدى وسبعين وسبعمائة، وعملت بها درسا للشافعية، ودرسا للحنفية، وعلى بابها حوض ماء للسبيل. وهي من المدارس الجليلة، وفيها دفن ابنها الملك الأشرف بعد قتله.
بركة: الست الجليلة خوند أمّ الملك الأشرف شعبان بن حسين، كانت أمة مولدة، فلما أقيم ابنها في مملكة مصر عظم شأنها وحجت في سنة سبعين وسبعمائة بتجمل كثير وبرج زائد، وعلى محفتها العصائب السلطانية والكؤسات تدق معها، وسار في خدمتها من الأمراء المقدّمين: بشتاك العمريّ رأس نوبة، وبهادر الجماليّ، ومائة مملوك من المماليك السلطانية أرباب الوظائف، ومن جملة ما كان معها قطار جمال محملة محائر قد زرع فيها البقل والخضراوات إلى غير ذلك مما يجل وصفه، فلما عادت في سنة إحدى وسبعين وسبعمائة خرج السلطان بعساكره إلى لقائها، وسار إلى البويب في سادس عشر المحرّم، وتزوّجت بالأمير الكبير الجاي اليوسفيّ، وبها طال واستطال، ماتت في ثامن عشر ذي القعدة سنة أربع وسبعين وسبعمائة، وكانت خيرة عفيفة لها برّ كثير ومعروف معروف، تحدّث الناس بحجتها عدّة سنين لما كان لها من الأفعال الجميلة في تلك المشاهد الكريمة، وكان لها اعتقاد في أهل الخير ومحبة في الصالحين، وقبرها موجود بقبة هذه المدرسة، وأسف السلطان على فقدها، ووجد وجدا كبيرا لكثرة حبه لها، واتفق أنها لما ماتت أنشد الأديب شهاب الدين أحمد بن يحيى الأعرج السعدي:
في ثامن العشرين من ذي قعدة ... كانت صبيحة موت أمّ الأشرف