يقال: إنّ أول من وضع ديوان الجند بخيلهم، كيهراسف، أحد ملوك الطبقة الثانية من الفرس، وإنّ كيقباذ قبله كان قد أخذ العشر من الغلات، وصرفه في أرزاق جنده، وأما في الإسلام، فما خرجه البخاري ومسلم من حديث حذيفة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
«اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام من الناس» ، فكتبنا له ألفا وخمسمائة رجل، الحديث. ذكره البخاريّ في باب كتابة الإمام الناس، وللبخاري من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، وامرأتي حاجة؟ قال:«ارجع فاحجج مع امرأتك» . وقال عمرو بن منبه عن معمر عن قتادة قال: آخر ما أتي به النبيّ صلى الله عليه وسلم ثمانمائة ألف درهم من البحرين، فما قام من مجلسه حتى أمضاه، ولم يكن للنبيّ صلى الله عليه وسلم بيت مال، ولا لأبي بكر.
وأوّل من اتخذ بيت مال عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقال ابن شهاب: عمر أوّل من دوّن الدواوين. وروى ابن سعد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قسم أبي الفيء عام أوّل، فأعطى الحرّ عشرة، والملوك عشرة، والمرأة عشرة، وأمتها عشرة، ثم قسم العام الثاني، فأعطاهم عشرين عشرين. فقيل: إن سببه أن أبا هريرة رضي الله عنه قدم على عمر رضي الله عنه بمال من البحرين، فقال له عمر: ماذا جئت به؟ فقال: خمسمائة ألف درهم، فاستكثره عمر! وقال: أتدري ما تقول؟ قال: نعم، مائة ألف خمس مرّات، فقال عمر:
أطيب هو؟ قال: لا أدري، فصعد عمر المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، قد جاءنا مال كثير، فإن شئتم كلنا لكم كيلا، وإن شئتم عددنا لكم عدّا، فقام إليه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين قد رأيت الأعاجم يدوّنون ديوانا لهم، فدوّن أنت ديوانا، فدوّن عمر.
وقيل: بل سببه أن عمر بعث بعثا وعنده الهرمزان، فقال لعمر: هذا بعث قد أعطيت أهله الأموال، فإن تخلف منهم رجل من أين يعلم صاحبك به، فأثبت لهم ديوانا، فسأله عن الديوان حتى فسره له، فاستشار المسلمين في تدوين الدواوين فقال له عليّ بن أبي طالب:
تقسم كل سنة ما اجتمع عندك من المال، ولا تمسك منه شيئا، وقال عثمان رضي الله عنه:
أرى مالا كثيرا يسع الناس، فإن لم يحصوا حتى يعرف من أخذ ممن لم يأخذ خشيت أن ينتشر الأمر، وقال خالد بن الوليد رضي الله عنه: قد كنت بالشام، فرأيت ملوكها دوّنوا ديوانا وجندوا جنودا، فدوّن ديوانا، وجند جنودا، فأخذ بقوله، ودعا عقيل بن أبي طالب، ومخرمة بن نوفل، وجبير بن مطعم، وكانوا كتاب قريش، فقال: اكتبوا الناس على منازلهم، فبدأوا ببني هاشم، وكتبوهم، ثم أتبعوهم أولاد أبي بكر، وقومه، ثم عمر وقومه، وكتبوا القبائل، ووضعوها على الخلافة، ثم رفعوا ذلك إلى عمر رضي الله عنه، فلما نظر فيه قال:
لا، ولكن ابدأوا بقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأقرب، فالأقرب حتى تضعوا عمر حيث وضعه الله