قال أقضى القضاة أبو الحسن الماورديّ: الديوان محفوظ بحفظ ما تعلق بحقوق السلطنة من الأعمال والأموال، ومن يقوم بها من الجيوش والعمال، وفي تسميته ديوانا وجهان: أحدهما: أن كسرى اطلع ذات يوم على كتاب ديوانه فرآهم يحسبون مع أنفسهم، فقال: ديوانه، أي: مجانين، فسمي موضعهم بهذا الاسم، ثم حذفت الهاء عند كثرة الاستعمال تخفيفا للاسم، فقيل: ديوان. والثاني: أن الديوان اسم بالفارسية للشياطين، فسمي الكتاب باسمهم لحذقهم بالأمور، ووقوفهم على الجليّ والخفيّ، وجمعهم لما شذ وتفرّق، واطلاعهم على ما قرب وبعد، ثم سمي مكان جلوسهم باسمهم، فقيل: ديوان.
انتهى.
واعلم أن كتابة الديوان على ثلاثة أقسام: كتابة الجيوش، وكتابة الخراج، وكتابة الإنشاء والمكاتبات، ولا بدّ لكل دولة من استعمال هذه الأقسام الثلاثة، وقد أفرد العلماء في كتابة الخراج، وفي كتابة الإنشاءات عدّة مصنفات، ولم أر أحدا جمع شيئا في كتابة الجيوش، والعساكر، وكانت كتابة الدواوين في صدر الإسلام أن يجعل ما يكتب فيه صحفا مدرجة، فلما انقضت أيام بني أمية، وقام عبد الله بن محمد: أبو العباس السفاح، استوزر خالد بن برمك بعد أبي سلمة حفص بن سليمان الخلال، فجعل الدفاتر في الدواوين من الجلود، وكتب فيها وترك الدروج إلى أن تصرّف جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك في الأمور أيام الرشيد، فاتخذ الكاغد، وتداوله الناس من بعده إلى اليوم.
وذكر أبو النمر الوراق قال: حدّثني أبو حازم القاضي قال: قال لي أبو الحسن بن المدبر: لو عمرت مصر كلها لوفت بأعمال الدنيا، وقال: إنّ أرض مصر مساحتها للزراعة ثمانية وعشرون ألف ألف فدّان، وإنما المعمر منها ألف ألف فدّان. قال: وقال لي ابن المدبر: إنه كان يتقلد ديوان المشرق وديوان المغرب. قال: ولم أبت قط ليلة من الليالي حتى أنهيه، ولا بقيته، وتقلدت مصر فكنت ربما نمت وقد بقي عليّ شيء من العمل فأستتمه إذا أصبحت.