ومصادرة جماعة وأخذ أموال أهل البلد، والقبض على الأسلحة المعدّة بها للغزاة وإمساك القاضي والشهود وحمل الأمراء المسجونين إلى القاهرة، فساروا في عاشره، وقدموا الثغر بعد ثلاثة أيام، ونزل الوزير بالخيس، وفرض على الناس خمسمائة ألف دينار مصرية، وأحضر قاضي القضاة، عماد الدين ونائبه في الحديد، وأنكر عليهما كونهما شهرا النداء في البلد بالغزاة في سبيل الله، فأنكرا وقوع هذا منهما، وأنهما لم يكن في قدرتهما ردّ السواد الأعظم، فضرب نائبه ابن الشيبي ضربا مبرّحا، وألزمه بحمل ستمائة ألف درهم، وألزم القاضي بخمسمائة ألف درهم، وكان قد رسم بشنقه، فتلطف في مكاتبة السلطان، واعتذر عنه وبرّأه حتى عفا عنه، وتتبع العامّة فوسط منهم ثلاثين رجلا في يوم الجمعة، ثالث عشره، فتسارع الناس إلى دورهم من الخوف، فذهبت عدّة عمائم واشتدّ الخوف مدّة عشرين يوما، وكتب السلطان تتوالى بالإيقاع بأهل الثغر، وأخذ أموالهم والوزير يحسن في الجواب إلى أن جهز الأمراء المسجونين، وسار من الثغر، وقد استعرض ما به من السلاح، فوجد ستة آلاف عدّة كاملة جعلها جميعها في قاعة وختم عليها، وبلغت الجباية من الناس ما ينيف على مائتين وستين ألف دينار، فكانت هذه من المحن العظيمة، والحوادث الشنيعة، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
[ذكر مدينة أتريب]
هذه المدينة بناها أتريب بن قبطيم بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام. قال ابن وصيف شاه: وكان أتريب قد انتقل إلى حيزه بعد موت أبيه قبطيم، وهي المدينة التي كان أبوه بناها له، وكان طولها اثني عشر ميلا، ولها اثنا عشر بابا، وجعل في شارعها الأعظم ثلاث قباب عالية على أعمدة بعضها فوق بعض منها قبة في وسط المدينة، وقبتان في طرفيها، وجعل على كل قبة مرقبا كبيرا وفي كل ناحية منها ملعبا، ومجالس ومنتزهات تشرق، وشق في غربيها نهرا وعقد عليه قناطر، وجعل من فوقها مجالس متصلة، وحولها المنازل تدور بالخليج متصلة بالقناطر على رياض مزروعة من خلفها الجنان والبساتين، وعلى كل باب من الأبواب، أعجوبة من تماثيل وأصنام متحرّكة، وأصنام تمنع من يؤذي، وجعل في داخل كل باب صورة شيطانين من صفر، فإذا قصدها أحد من أهل الخير قهقه الشيطان الذي عن يمنة الباب، وإن كان من أهل الشرّ بكى الشيطان الذي عن يسرة الباب، وجعل في كل منتزه منها من الوحش الآلف والطيور المغرّدة كل مستحسن، وفوق قباب المدينة صورا تصفر إذا هبت الرياح، ونصب مرآة ترى البلاد البعيدة، وبنى حذاءها في الشرق مدينة، وجعل فيها ملاعب وأصناما بارزة في صور مختلفة، وفي وسطها بركة إذا مرّ بها الطير سقط عليها، فلا يبرح حتى يؤخذ وجعل لها حصنا، باثني عشر بابا، على كل باب تمثال يعمل بأعجوبة، وعمل حواليها جنانا، وجعل بالقرب منها في ناحية الشرق مجلسا منقوشا على ثماني أساطين، وفوقه قبة عليها طائر منشور الجناحين يصفر في كل يوم ثلاث