وبذل له خمسة آلاف دينار على أن يرجع إلى الشأم، فأجابه إلى ذلك، وفتحت المدينة، وخرج صلاح الدين إلى مري ملك الفرنج، وجلس معه، فما زال به شاور أن يسلمه صلاح الدين، فلم يوافقه، بل سيره إلى عمه شيركوه من البحر على عكا بمن معه إلى دمشق، ودخل شاور إلى الإسكندرية في سابع عشر شوّال، فاستتر ابن مصال، وفرّ إلى الشأم، وقبض على ابن الخباب، وعوقب حتى فداه أهله بمال جزيل، ولم يقدر على ابن الزبير، وخرج إلى رشيد.
هذا وقد امتنع الفقيه أبو الطاهر بن عوف، وجماعة كثيرة بالمنار فوقف عليهم شاور، فقال له ابن عوف: اعذرنا يا أمير الجيوش، وسامحنا بما فعلناه، فعفا عنهم، وولي القاضي الأشرف أبا القاسم عبد الرحمن بن منصور بن نجا، ناظرا على الأموال، وخرج ومعه مري ملك الفرنج إلى القاهرة، ثم توجه مري إلى بلاده.
وفي سنة إحدى وسبعين وستمائة، ورد الخبر بحركة الفرنج إلى ثغور مصر، فاهتم الملك الظاهر بيبرس بأمر الشواني، ونصب على أسوار الإسكندرية نحو مائة منجنيق.
وفي يوم الخميس شهر رجب سنة سبع وعشرين، خرج بعض تجار الفرنج إلى ظاهر باب البحر حيث تجتمع العامّة للفرجة، وتعرّض إلى صبيّ أمرد يراوده عن نفسه، فأنكر ذلك بعض من هناك من المسلمين، وقال: هذا ما يحل، فأخذ الفرنجي خفا كان بيده، وضربه على وجهه، فصاح بالناس، فأتوه، فقام الفرنج مع صاحبهم، واتسع الخرق إلى أن ركب متولي الثغر، وأغلق أبواب المدينة، وطلب من أثار الفتنة ففرّوا، وعاد إلى داره، وترك الأبواب مغلقة، وكان بظاهر المدينة خلق كثيرة قد توجهوا على عادتهم في حوائجهم فحيل بينهم وبين بيوتهم، وجاء الليل وهم قيام على الأبواب يضجون ويصيحون، فمضى أعيان البلد إلى المتولي، وما زالوا به، حتى فتح لهم، فدخلوا مبادرين وهم يزدحمون، فمات منهم زيادة على عشرة أنفس، وتلفت أعضاء جماعة، وذهب من عمائم الناس ومناديلهم، وغير ذلك شيء كثير؛ وعظم البكاء والصراخ طول الليل، فلما كان من الغد، ركب الوالي لكشف أحوال الناس، فتكاثروا عليه ورجموه، فانهزم منهم إلى داره فتبعوه وقاتلوه، فقاتلهم من أعلى الدار حتى سفكت بينهما دماء كثيرة، وأحرقوا بابه، ونهبوا دورا بجانبه.
فكتب يستنجد والي دمنهور ومن حوله من العربان، فأتوه واحتاطوا بالمدينة، وسرّح الطائر إلى السلطان بخروج أهل الإسكندرية عن الطاعة، فاشتدّ غضبه وخشي من إطلاقهم الأمراء المسجونين، وبعث إلى القضاة فجمعهم واستفتاهم في قتالهم، فكتبوا بما يجب، وخرج إليهم الوزير مغلطاي الجماليّ، وطوغان شادّ الدواوين، وأيدمر أمير جندار، وعدّة من المماليك السلطانية، وناظر الخاص، ومع الوزير تذكرة بإراقة دماء أهل الفساد،