كلّ صف يمرّ من صوب شماله كالسيل إذا اندفع، وعلّل هذا الذي أفادني، أنّ القلب من يسار كل أحد، والناس تميل إلى جهة قلوبهم، فلذلك صار مشيهم من صوب شمائلهم، وكذا صح لي مع طول الاعتياد. ولما حدثت هذه المحن بعد سنة ست وثمانين وثمانمائة، تلاشى أمر بين القصرين، وذهب ما هناك، وما أخوفني أن يكون أمر القاهرة كما قيل:
هذه بلدة قضى الله يا صا ... ح عليها كما ترى بالخراب
فقف العيس وقفة وابك من كا ... ن بها من شيوخها والشباب
واعتبر إن دخلت يوما إليها ... فهي كانت منازل الأحباب
خط الخشيبة: هذا الخط يتوصل إليه من وسط سوق باب الزهومة، ويسلك فيه إلى الحارة العدوية «١» حيث فندق الرخام برحبة بيبرس، وإلى درب شمس الدولة، وقيل له خط الخشيبة، من أجل أنّ الخليفة الظافر لما قتله نصر بن عباس وبنى على مكانه الذي دفنه فيه المسجد الذي يعرف اليوم بمسجد الخلعيين، ويعرف أيضا بمسجد الخلفاء، نصبت هناك خشبة حتى لا يمرّ أحد من هذا الموضع راكبا، فعرف بخشيبة تصغير خشبة، وما زالت هناك حتى زالت الدولة الفاطمية، وقام السلطان صلاح الدين بسلطنة مصر، فأزال الخشيبة، وعرف هذا الخط بها إلى اليوم، ويقال له خط حمام خشيبة، من أجل الحمام التي هناك.
ولمقتل الظافر خبر يحسن ذكره هنا.
[ذكر مقتل الخليفة الظافر]
وكان من خبر الظافر أنه لما مات الخليفة الحافظ لدين الله أبو الميمون عبد المجيد ابن الأمير أبي القاسم محمد بن المستنصر، في ليلة الخميس، لخمس خلون من جمادى الآخرة، سنة أربع وأربعين وخمسمائة، بويع ابنه أبو المنصور إسماعيل، ولقب بالظافر بأمر الله، بوصية من أبيه له بالخلافة، وقام بتدبير الوزارة الأمير نجم الدين سليمان بن محمد بن مصال، فلم يرض الأمير المظفر عليّ بن السلار والي الإسكندرية والبحيرة يومئذ بوزارة ابن مصال، وحشد وسار إلى القاهرة، ففرّ ابن مصال، واستقرّ ابن السلار في الوزارة، وتلقّب بالعادل، فجهز العساكر لمحاربة ابن مصال، فحاربته وقتل، فقوي واستوحش منه الظافر، وخاف منه ابن السلار واحترز منه على نفسه، وجعل له رجالا يمشون في ركابه بالزرد والخود، وعددهم ستمائة رجل بالنوبة، ونقل جلوس الظافر من القاعة إلى الإيوان في البراح والسعة، حتى إذا دخل للخدمة يكون أصحاب الزرد معه، ثم تأكدت النفرة بينهما فقبض على صبيان الخاص وقتل أكثرهم، وفرّق باقيهم، وكانوا خمسمائة رجل، وما زال الأمر على ذلك إلى أن قتله ربيبه عباس بن تميم، بيد ولده نصر،