وأما الواحات: فمنقطعة وراء الوجه القبلي مغاربة لم تعدّ في الولايات ولا في الأعمال، ولا يحكم عليها والي السلطان وإنما يحكم عليها من قبل مقطعها، والله تعالى أعلم.
[ذكر ما كان يعمل في أراضي مصر من حفر الترع وعمارة الجسور ونحو ذلك من أجل ضبط ماء النيل وتصريفه في أوقاته]
قال ابن عبد الحكم عن يزيد بن أبي حبيب: وكانت فريضة مصر بحفر خليجها، وإقامة جسورها، وبناء قناطرها، وقطع جزائرها مائة ألف وعشرين ألفا. معهم المساحي والطوريات والأداة يعتقبون ذلك لا يدعونه شتاء ولا صيفا.
وعن أبي قبيل قال: زعم بعض مشايخ أهل مصر: أن الذي كان يعمل به مصر على عهد ملوكها أنهم كانوا يقرّون القرى في أيدي أهلها كل قرية، بكراء معلوم لا ينقص عنهم إلا في كل أربع سنين من أجل الظمأ، وتنقل اليسار فإذا مضت أربع سنين نقض ذلك، وعدّل تعديلا جديدا، فيرفق بممن استحق الرفق ويزاد على من احتمل الزيادة، ولا يحمل عليهم من ذلك ما يشق عليهم، فإذا جبي الخراج وجمع كان للملك من ذلك الربع خالصا لنفسه يصنع به ما يريد، والربع الثاني لجنده ومن يقوى به على حربه وجباية خراجه ودفع عدوه، والربع الثالث في مصلحة الأرض وما تحتاج إليه من جسورها وحفر خلجها، وبناء قناطرها والقوّة للزارعين على زرعهم وعمارة أرضهم، والربع الرابع يخرج منه ربع ما يصيب كل قرية من خراجها، فيدفن ذلك لنائبة تنزل أو جائحة بأهل القرية، فكانوا على ذلك، والذي يدفن في كل قرية من خراجها هي: كنوز فرعون التي يتحدّث الناس بها أنها ستظهر فيطلبها الذين يتتبعون الكنوز.
وذكر أن بعض فراعنة مصر جبى خراج مصر اثنين وسبعين ألف ألف دينار، وأن من عمارته أنه أرسل ويبة قمح إلى أسفل الأرض وإلى الصعيد في وقت تنظيف الأرض والترع من العمارة، فلم يوجد لها أرض فارغة تزرع فيها، وذكر أنه كان عند تناهي العمارة يرسل بأربع ويبات برسيم إلى الصعيد، وإلى أسفل الأرض وإلى أيّ كورة، فإن وجد لها موضعا خاليا فزرعت فيه، ضرب عنق صاحب الكورة، وكانت مصر يومئذ عمارتها متصلة أربعين فرسخا في مثلها، والفرسخ: ثلاثة أميال، والبريد: أربعة فراسخ، فتكون عشرة برد في مثلها، ولم تزل الفراعنة تسلك هذا المسلك إلى أيام فرعون موسى فإنه عمرها عدلا وسماحة، وتتابع الظمأ ثلاث سنين في أيامه، فترك لأهل مصر خراج ثلاث سنين، وأنفق على نفسه وعساكره من خزائنه، ولما كان في السنة الرابعة أضعف الخراج واستمرّ فاعتاض ما أنفق