للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الماورديّ: وإذا صح الإقطاع والتمليك على هذا الوجه نظر حال الفتح فإن كان صلحا خلصت الأرض لمقطعها، وكانت خارجة عن حكم الصلح بالإقطاع السابق، وإن كان الفتح عنوة كان المقطع والمستوهب أحق بما استقطعه، واستوهبه من الغانمين ونظر في الغانمين فإن كانوا علموا بالإقطاع أو الهبة قبل الفتح، فليس لهم المطالبة بعوض، وإن لم يعلموا حتى فتحوا عاوضهم الإمام بما يستطيب نفوسهم من غير ذلك من الغنائم.

وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: لا يلزم الإمام استطابة نفوسهم منه ولا من غيره من الغنائم إذا رأى المصلحة في ذلك.

[ذكر ديوان الخراج والأموال]

يقال لكتابة الخراج: قلم التصريف، وأوّل ما دوّن هذا الديوان في الإسلام بدمشق والعراق على ما كان عليه قبل الإسلام، وكان ديوان الشام بالرومية، وديوان العراق بالفارسية، وديوان مصر بالقبطية، فنقلت دواوين هذه الأمصار إلى العربية، والذي نقل ديوان مصر من القبطية إلى العربية: عبد الله بن عبد الملك بن مروان أمير مصر، في خلافة الوليد بن عبد الملك سنة سبع وثمانين، ونسخها بالعربية وصرف أنتناش عن الديوان وجعل عليه ابن يربوع الفزاريّ من أهل حمص، وأوّل من نقل الدواوين من الفارسية إلى العربية:

الوليد بن هشام بن مخزوم بن سليمان بن ذكوان، وتوفي سنة اثنتين وعشرين ومائتين، والأكثرون على أن الذي نقل ديوان العراق إلى العربية صالح بن عبد الرحمن كاتب الحجاج، وكان مولى لبني سعد، وهو يومئذ صاحب دواوين العراق، وذلك بعد سنة ثمانين، وسبب ذلك أن صالح بن عبد الرحمن هذا، كان أبوه من سبي سجستان، ومهر صالح في الكتابة، وكتب لزادان فروح كاتب الحجاج بن يوسف الثقفيّ، وخط بين يديه بالفارسية والعربية، فخف على قلب الحجاج فخاف من زادان، وقال له: أنت الذي رقيتني حتى وصلت إلى الأمير، وأراه قد استخفني، ولا آمن أن يقدّمني عليك، فتسقط منزلتك، فقال زادان: لا تظنّ ذلك هو أحوج إليّ مني إليه لأنه لا يجد من يكفيه حسابه غيري، فقال صالح: والله لو شئت أن أحوّل الحساب إلى العربية لحوّلته، قال: فحوّل منه أسطرا حتى أرى! ففعل، فقال له: تمارض، فتمارض، فبعث إليه الحجاج بطبيبه، فشق ذلك على زادان، وأمره أن لا يظهر للحجاج، فاتفق عقيب ذلك أن زادان قتل في فتنة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، وهو خارج من موضع كان فيه إلى منزله، فاستكتب الحجاج بعده صالحا، فأعلم الحجاج بما جرى له مع زادان في نقل الديوان، فأعجبه ذلك وعزم عليه في إمضائه، فنقله من الفارسية إلى العربية، وشق ذلك على الفرس، وبذلوا له مائة ألف درهم على أن لا يظهر النقل، فأبى عليهم، فقال له مروان شاه بن زادان فروح: قطع الله أصلك من الدنيا كما قطعت أصل الفارسية، وكان

<<  <  ج: ص:  >  >>