حملها على البرّ إلى بحر القلزم، وأركب فيها الرجال، وأوقف مركبين على جزيرة قلعة القلزم تمنع أهلها من استقاء الماء، فاسرت الفرنج نحو عيذاب «١» فقتلوا وأسروا ومضوا يريدون المدينة النبوية، على ساكنها أفضل الصلاة والتسليم، وذلك في سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، وكان السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب على حران، فلما بلغه ذلك بعث إلى سيف الدولة ابن منقذ نائبه على مصر يأمره بتجهيز الحاجب لؤلؤ خلف العدوّ، فاستعدّ لذلك وأخذ معه قيودا وسار في طلبهم إلى القلزم، وعمّر هناك مراكب وسار إلى أيلة، فوجد مراكب للفرنج فحرقها وأسر من فيها، وسار إلى عيذاب وتبع الفرنج حتى أدركهم، ولم يبق بينهم وبين المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والتسليم إلا مسافة يوم، وكانوا ثلاثمائة ونيفا، وقد انضم إليهم عدّة من العربان المرتدّة، فعندما لحقهم لؤلؤ فرّت العربان فرقا من سطوته ورغبة في عطيته، فإنه كان قد بذل الأموال حتى أنه علّق أكياس الفضة على رؤس الرماح، فلما فرّت العربان التجأ الفرنج إلى رأس جبل صعب المرتقى، فصعد إليهم في عشرة أنفس وضايقهم فيه، فخارت قواهم بعد ما كانوا معدودين من الشجعان واستسلموا، فقبض عليهم وقيّدهم وحملهم إلى القاهرة، فكان لدخولهم يوم مشهود، وتولى قتلهم الصوفية والفقهاء وأرباب الديانة بعد ما ساق رجلين من أعيان الفرنج إلى منى ونحرهما هناك كما تنحر البدن التي تساق هديا إلى الكعبة، ولم يزل على فعل المعروف إلى أن مات رحمه الله في صميم الفلا، وقد قرب منتهاه في اليوم التاسع من جمادى الآخرة سنة ست وتسعين وخمسمائة، ودفن بتربته من القرافة، وهي التي حفر فيها البئر ووجد في قعرها عند الماء اسطام مركب، وهذه الحمّام تفتح تارة وتغلق كثيرا، وهي باقية إلى يومنا هذا من جملة أوقاف الملك، والله تعالى أعلم بالصواب.
[ذكر القياسر]
ذكر ابن المتوّج قياسر مصر وهي: قيسارية المحلى، وقيسارية الضيافة، وقف المارستان المنصوري، وقيسارية شبل الدولة، وقيسارية ابن الأرسوفي، وقيسارية ورثة الملك الظاهر بيبرس، وقيساريتا ابن ميسر، وقد خربت كلها.
قيسارية ابن قريش: هذه القيسارية في صدر سوق الجملون الكبير بجوار باب سوق الورّاقين، ويسلك إليها من الجملون ومن سوق الأخفافيين، المسلوك إليه من البندقانيين، وبعضها الآن سكن الأرمنيين وبعضها سكن البزازين.
قال ابن عبد الظاهر: استجدّها القاضي المرتضى ابن قريش في الأيام الناصرية الصلاحية، وكان مكانها اسطبلا انتهى.