الأحوال مع المروءة والهمة، وسمع كثيرا من الحديث، وقرأ بنفسه على المشايخ، وكتب الخط المليح، وقرأ القراءات السبع، وعرف التصوّف والفقه والحساب والنجوم، إلّا أنه كان متهوّرا في أخذ الأموال عسوفا لجوجا مصمما لا ينقاد إلى أحد، ويستبدّ برأيه فيغلط غلطات لا تحتمل، ويستخف بغيره، ويعجب بنفسه، ويريد أن يجعل غاية الأمور بدايتها، فلذلك لم يتمّ له أمر.
[جامع الظافر]
هذا الجامع بالقاهرة في وسط السوق الذي كان يعرف قديما بسوق السرّاجين، ويعرف اليوم بسوق الشوّايين، كان يقال له الجامع الأفخر، ويقال له اليوم جامع الفاكهيين، وهو من المساجد الفاطمية، عمره الخليفة الظافر بنصر الله أبو المنصور إسماعيل بن الحافظ لدين الله أبي الميمون عبد المجيد بن الآمر بأحكام الله منصور، ووقف حوانيته على سدنته ومن يقرأ فيه. قال ابن عبد الظاهر: بناه الظافر، وكان قبل ذلك زريبة تعرف بدار الكباش، وبناه في سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، وسبب بنائه أن خادما رأى من مشرف عال ذباحا وقد أخذ رأسين من الغنم، فذبح أحدهما ورمى سكينته ومضى ليقضي حاجته، فأتى رأس الغنم الآخر وأخذ السكين بفمه ورماها في البالوعة، فجاء الجزّار يطوف على السكين، فلم يجدها، وأما الخادم فإنه استصرخ وخلصه منه، وطولع بهذه القضية أهل القصر، فأمروا بعمله جامعا، ويسمى الجامع الأفخر، وبه حلقة تدريس وفقهاء ومتصدّرون للقرآن، وأوّل ما أقيمت به الجمعة في ... «١» .
[جامع الصالح]
هذا الجامع من المواضع التي عمرت في زمن الخلفاء الفاطميين، وهو خارج باب زويلة. قال ابن عبد الظاهر: كان الصالح طلائع بن رزيك لما خيف على مشهد الإمام الحسين رضي الله عنه إذ كان بعسقلان من هجمة الفرنج، وعزم على نقله، قد بنى هذا الجامع ليدفنه به، فلما فرغ منه لم يمكنه الخليفة من ذلك وقال: لا يكون إلّا داخل القصور الزاهرة، وبنى المشهد الموجود الآن ودفن به، وتمّ الجامع المذكور، واستمرّ جلوس زين الدين الواعظ به، وحضور الصالح إليه. فيقال أنّ الصالح لما حضرته الوفاة جمع أهله وأولاده وقال لهم في جملة وصيته: ما ندمت قط في شيء عملته إلّا في ثلاثة، الأوّل بنائي هذا الجامع على باب القاهرة، فإنه صار عونا لها. والثاني: توليتي لشاور الصعيد الأعلى.
والثالث: خروجي إلى بلبيس بالعساكر وإنفاقي الأموال الجمة، ولم أتم بهم إلى الشام وأفتح بيت المقدس واستأصل ساقة الفرنج. وكان قد أنفق في العساكر في تلك الدفعة مائة