ضرب الناصر فرج دنانير وسماها الناصرية، وصار يحكم في الأحكام الشرعية، فقلق منه أمراء الدولة وقاموا في ذلك، فمنع من الحكم إلّا فيما يتعلق بالديوان المفرد وغيره مما هو من لوازم الأستادار، وأخذ في مخاشنة الأمراء عند ما عاد الناصر فرج وقد انهزم من تيمور لنك، وشرع في إقامة شعار المملكة والنفقة على العساكر التي رجعت منهزمة، فأخذ من بلاد الأمراء وبلاد السلطان عن كلّ ألف دينار فرسا أو خمسمائة درهم ثمنها، وجبى من أملاك القاهرة ومصر وظواهرهما أجرة شهر، وأخذ من الرزق عن كلّ فدّان عشرة دراهم، وعن الفدّان من القصب المزروع والقلقاس والنيلة نحو مائة درهم، وجبى من البساتين عن كلّ فدّان مائة درهم، وقام بنفسه وكبس الحواصل ليلا ونهارا ومعه جماعة من الفقهاء وغيرهم، وأخذ مما فيها من الذهب والفضة والفلوس نصف ما يجد، سواء كان صاحب المال غائبا أو حاضرا، فعمّ ذلك أموال التجار والأيتام وغيرهم من سائر من وجد له مال، وأخذ ما كان في الجوامع والمدارس وغيرها من الحواصل، فشمل الناس من ذلك ضرر عظيم، وصار يؤخذ من كل مائة درهم ثلاثة دراهم عن أجرة صرف، وستة دراهم عن أجرة الرسول، وعشرة دراهم عن أجرة نقيب، فنفرت منه القلوب وانطلقت الألسن بذمّه والدعاء عليه، وعرض مع ذلك الجند وألزم من له قدرة على السفر بالتجهز للسفر إلى الشام لقتال تيمور لنك، ومن وجده عاجزا عن السفر ألزمه بحمل نصف متحصل إقطاعه، فقبض عليه في يوم الاثنين رابع عشر رجب سنة ثلاث وثمانمائة، وسلّم للقاضي سعد الدين إبراهيم بن غراب، وقرّر مكانه في الاستادارية، فلم يزل إلى يوم عيد الفطر من السنة المذكورة، فأمر بإطلاقه بعد أن حصر وأهين إهانة كبيرة، ثم قبض عليه وضرب ضربا مبرّحا حتى أشفى على الموت، وأطلق في نصف ذي القعدة وهو مريض، فأخرج إلى دمياط وأقام بها مدّة، ثم أحضر إلى القاهرة وقلّد وظيفة الوزارة في سنة خمس وثمانمائة، وجعل مشيرا، فأبطل مكوس البحيرة وهو ما يؤخذ على ما يذبح من البقر والغنم، واستعمل في أموره العسف، وترك مداراة الأمراء، واستعجل فقبض عليه وعوقب وسجن إلى أن أخرج في رمضان سنة سبع وثمانمائة وقلّد وظيفة الإشارة، وكانت للأمير جمال الدين يوسف الأستادار، فلم يترك عادته في الإعجاب برأيه والاستبداد بالأمور، واستعجال الأشياء قبل أوانها، فقبض عليه في ذي الحجة منها وسلّم للأمير جمال الدين يوسف، فعاقبه وبعث به إلى الإسكندرية، فسجن بها إلى أن سعى جمال الدين في قتله بمال بذله للناصر فيه حتى أذن له في ذلك، فقتل خنقا عصر يوم الجمعة وهو صائم السابع عشر من جمادى الآخرة، سنة إحدى عشرة وثمانمائة رحمه الله، وكان كثير النسك من الصلاة والصوم والصدقة، لا يخلّ بشيء من نوافل العبادات، ولا يترك قيام الليل سفرا ولا حضرا، ولا يصلي قط إلّا بوضوء جديد، وكلما أحدث توضأ، وإذا توضأ صلّى ركعتين، وكان يصوم يوما ويفطر يوما، ويخرج في كثرة الصدقات عن الحدّ، ويقرأ فيه كلّ ثلاثة أيام ختمة، ولا يترك أوراده في حال من