للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على كل ركن، وجه شيطان، وجعلها على عمود يديرها، فكان العقاب يدور إلى الجهات، فيقيم في كل جهة ربع السنة، فلما تمّ ذلك نقل إلى المدينة الأموال والجواهر التي بمصر من عهد الملوك، والتماثيل والحكم، وتراب الفضة والعقاقير والسلاح، وحوّل إليها كبار السحرة والكهنة، وأصحاب الصنائع، والتجار وقسم المساكن بينهم، فلا يختلط أهل صناعة بسواهم وعمل بها ربضا «١» لأصحاب المهن والزراعة، وعقد على تلك الأنهار قناطر يمشي عليها الداخل إلى المدينة، وجعل الماء يدور حول الربض، ونصب عليها أعلاما وحرسا، ثم غرس وراء ذلك مما يتصل بالبرية النخل والكرم، وجميع أصناف الشجر على أقسام مقسومة، ومن وراء ذلك كله مزارع الغلات من كل جهة، كل ذلك خوفا من الوليد.

قال: وبين هذه المدينة، وبين منف ثلاثة أيام، وكان يقيم فيها ويخرج إليها، ثم يعود إلى منف وكان لها أربعة أعياد في السنة، وهي: الأوقات التي يتحوّل العقاب فيها، فلما تمّ لعون ذلك، اطمأنّ قلبه، إلى أن وافى إليه كتاب الوليد من النوبة يأمره بحمل الأزواد، ونصب الأسواق، فوجه إليه في البرّ والبحر، بما أراد وحوّل أهله ومن اصطفاه من بنات الملوك والكبراء إلى المدينة.

فلما قرب الوليد، خرج إليها وتحصن فيها، واستخلف على منف، فقدم الوليد، وقد سمع ما فعله عون، فغضب، وهمّ أن يبعث إليه جيشا، فعرّف بخبر المدينة ومنعتها، وخبر السحرة، فكتب إليه أن يقدم عليه، ويحذره عاقبة التخلف، فأجابه ما على الملك مني مؤنة ولا تعرّض، ولا عيب في بلده لأني عبده، وأنا له ردء في هذا المكان من كل عدوّ يأتيه من الغرب، ولا أقدر على المسير إليه لخوفي منه، فليقرّني الملك بحالي كأحد عماله، وأوجه إليه ما يلزمني من خراجه وهداياه، وبعث إليه بأموال جليلة، وجوهر نفيس، فكف عنه، وأقام الوليد بمصر حتى مات.

ذكر مدينة الفيوم «٢»

اعلم: أن موضع الفيوم كان مغيض ماء النيل، فلما ولي السيد يوسف الصدّيق عليه السلام تدبير، أمور مصر عمّرها. قال ابن وصيف شاه: ثم ملك الريان بن الوليد، وهو فرعون وسف، والقبط تسميه: نهر أوش، فجلس على سرير الملك، وكان عظيم الخلق جميل الوجه عاقلا متمكنا، فوعد بالجميل، وأسقط عن الناس خراج ثلاث سنين، وفرّق المال في الخاص والعامّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>