من الأعمال ما تقدّم ذكره إلى أن كانت سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون، فترك النزول إليه وبنى مسطبة برسم طعم طيور الصيد بالقرب من بركة الحبش، وصار ينزل هنالك، ثم ترك تلك المسطبة في سنة عشرين وسبعمائة، وعاد إلى ميدان القبق هذا وركب إليه على عادة من تقدّمه من الملوك، إلى أن بنيت فيه الترب شيئا بعد شيء حتى انسدّت طريقه، واتصلت المباني من ميدان القبق إلى تربة الروضة خارج باب البرقية، وبطل السباق منه، ورمي القبق فيه، من آخر أيام الملك الناصر محمد بن قلاون، كما ذكر عند ذكر المقابر من هذا الكتاب، وأنا أدركت عواميد من رخام قائمة بهذا الفضاء تعرف بين الناس بعواميد السباق، بين كل عمودين مسافة بعيدة، وما برحت قائمة هنالك إلى ما بعد سنة ثمانين وسبعمائة، فهدمت عند ما عمّر الأمير يونس الدوادار الظاهريّ تربته تجاه قبة النصر، ثم عمّر أيضا الأمير قجماس ابن عمّ الملك الظاهر برقوق تربة هنالك، وتتابع الناس في البنيان إلى أن صار كما هو الآن والله أعلم.
ذكر برّ الخليج الغربي
قد تقدّم أنّ هذا الخليج حفر قبل الإسلام بدهر، وأن عمرو بن العاص رضي الله عنه جدّد حفره في عام الرمادة، بإشارة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حتى صبّ ماء النيل في بحر القلزم «١» ، وجرت فيه السفن بالغلال وغيرها حتى عبرت منه إلى البحر الملح، وأنه ما برح على ذلك إلى سنة خمسين ومائة، فطمّ ولم يبق منه إلا ما هو موجود الآن، إلّا أنّ فم هذا الخليج الذي يصبّ فيه الماء من بحر النيل، لم يكن عند حفره هذا الفم الموجود الآن، ولست أدري أين كان فمه عند ابتداء حفره في الجاهلية، فإن مصر فتحت وماء النيل عند الموضع الذي فيه الآن جامع عمرو بن العاص بمصر، وجميع ما بين الجامع وساحل النيل الآن انحسر عنه الماء بعد الفتح، وآخر ما كان ساحل مصر من عند سوق المعاريج الذي هو الآن بمصر إلى تجاه الكبش من غربيه، وجميع ما هو الآن موجود من الأرض التي فيما بين خط السبع سقايات إلى سوق المعاريج انحسر عنه الماء شيئا بعد شيء، وغرس بساتين، فعمل عبد العزيز بن مروان أمير مصر قنطرة على فم هذا الخليج في سنة تسع وستين من الهجرة بأوّله، عند ساحل الحمراء، ليتوصل من فوق هذه القنطرة إلى جنان الزهريّ الآتي ذكرها إن شاء الله تعالى. وموضع هذه القنطرة بداخل حكر أقبغا المجاور لخط السبع سقايات، وما برحت هذه القنطرة عندها السدّ الذي يفتح عند الوفاء إلى ما بعد الخمسمائة من الهجرة، فانحسر ماء النيل عن الأرض، وغرست بساتين، فعمل الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب بن شادي هذه القنطرة التي تعرف اليوم بقنطرة السدّ، خارج مصر، ليتوصل من فوقها إلى بستان