ويقال والله أعلم، أنّ بلهيت الذي يعرف اليوم بأبي الهول، طلسم وضعه القدماء لقلب الرمل عن برّ مصر الغربيّ الذي يعرف اليوم ببرّ الجيزة، وأنه كان في البرّ الشرقيّ بجوار قصر الشمع صنم من حجارة على مسامتة أبي الهول، بحيث لو امتدّ خيط من رأس أبي الهول وخرج على استواء، لسقط على رأس هذا الصنم، وكان مستقبل المشرق، وأنه وضع أيضا لقلب الرمل عن البرّ الشرقيّ، فقدّر الله سبحانه وتعالى أن كسر هذا الصنم على يد بعض أمراء الملك الناصر محمد بن قلاون، في سنة إحدى عشرة وسبعمائة، وحفر تحته حتى بلغ الحفر إلى الماء، ظنا أنه يكون هناك كنز، فلم يوجد شيء، وكان هذا الصنم يعرف عند أهل مصر بسريّة أبي الهول، فكان عقيب ذلك غلبة النيل على البرّ الشرقيّ، وصارت هذه الجزائر الموجودة اليوم، وكذلك قام شخص من صوفية الخانقاه الصلاحية سعيد السعداء، يعرف بالشيخ محمد صائم الدهر في تغيير المنكر أعوام بضع وثمانين وسبعمائة، فشوّه وجوه سباع الحجر التي على قناطر السباع خارج القاهرة، وشوّه وجه أبي الهول، فغلب الرمل على أراضي الجيزة، ولا ينكر ذلك، فلله في خليقته أسرار يطلع عليها من يشاء من عباده، والكلّ بخلقه وتقديره.
وقد ذكر الأستاذ إبراهيم بن وصيف شاه في كتاب أخبار مصر، في خبر الواحات الداخلة، أن في تلك الصحارى كانت أكثر مدن ملوك مصر العجيبة وكنوزهم، إلا أن الرمال غلبت عليها. قال: ولم يبق بمصر ملك إلّا وقد عمل للرمال طلسما لدفعها، ففسدت طلسماتها لقدم الزمان.
وذكر ابن يونس عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: إني لأعلم السنة التي تخرجون فيها من مصر، قال ابن سالم: فقلت له ما يخرجنا منها يا أبا محمد أعدوّ؟ قال:
لا ولكنكم يخرجكم منها نيلكم، هذا يغور فلا تبقى منه قطرة، حتى تكون فيه الكثبان من الرمل، وتأكل سباع الأرض حيتانه.
وقال الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير قال: إنّ الصحابيّ حدّثه أنه سمع كعبا يقول: ستعرك العراق عرك الأديم، وتفت مصر فت البعرة. قال الليث: وحدّثني رجل عن وهب المعافريّ أنه قال: وتشق الشام شق الشعرة، وسأذكر من خبر هذه الجزائر المشهورة ما وصلت إلى معرفته إن شاء الله تعالى.
[ذكر الروضة]
اعلم أنّ الروضة تطلق في زماننا هذا على الجزيرة التي بين مدينة مصر ومدينة الجيزة، وعرفت في أوّل الإسلام بالجزيرة، وبجزيرة مصر، ثم قيل لها جزيرة الحصن، وعرفت إلى اليوم بالروضة، وإلى هذه الجزيرة انتقل المقوقس لما فتح الله تعالى على المسلمين القصر